ابو معاذ

217

22,672

وقفات مع صاحب الظلال ..عملاق الفكر الاسلامي.."سيد قطب"رحمه الله

ساخصص هذه الصفحة باذن الله لنقل قبسات من ظلال شهيد المفسيرن سيد قطب ::.

من منا لا يعرف هذا العملاق الذي كان لاستشهاد ه أثر في إيقاظ العالم الإسلامي أكثر من حياته، ففي السنة التي استشهد فيها طبع الظلال سبع طبعات بينما لم تتم الطبعة الثانية أثناء حياته،-وصلت طبعات الظلال لحتى الان الى 38طبعة- ولقد صدق عندما قال: (إن كلماتنا ستبقى عرائس من الشموع حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء).


ولنبدأ على بركة الله












التعليقات (94)

ابو معاذ     
في ظلال القرآن - سيد قطب



وهكذا نرى من هذا الاستعراض السريع - بالإضافة إلى ما قلناه من قبل عن طبيعة الإعلان الإسلامي العام بتحرير الإنسان . وتحفز الجاهلية في الأرض كلها لسحق الحركة التي تحمل هذا الإعلان العام وتنطلق به في الأرض كلها - أن هذه الأحكام الأخيرة الواردة في هذه السورة (سورة التوبة) ، هي المتقضى الطبيعي لهذه الحقائق كلها مجتمعة؛ وأنها ليست أحكاماً محددة بزمان ، ولا مقيدة بحالة . وإن كان هذا في الوقت ذاته لا ينسخ الأحكام المرحلية السابقة النسخ الشرعي الذي يمنع العمل بها في الظروف والملابسات التي تشابه الظروف والملابسات التي تنزلت فيها . فهناك دائماً طبيعة المنهج الإسلامي الحركية ، التي تواجه الواقع البشري مواجهة واقعية ، بوسائل متجددة ، في المراحل المتعددة .
وحقيقة أن هذه الأحكام النهائية الواردة في هذه السورة كانت تواجه حالة بعينها في الجزيرة؛ وكانت تمهيداً تشريعياً للحركة المتمثلة في غزوة تبوك ، لمواجهة تجمع الروم على أطراف الجزيرة مع عمالهم للانقضاض على الإسلام وأهله - وهي الغزوة التي يقوم عليها محور السورة - ولكن وضع أهل الكتاب تجاه الإسلام وأهله لم يكن وليدمرحلة تاريخية معينة .


إنما كان وليد حقيقة دائمة مستقرة؛ كما أن حربهم للإسلام والمسلمين لم تكن وليدة فترة تاريخية معينة . فهي ما تزال معلنة ولن تزال . . إلا أن يرتد المسلمون عن دينهم تماماً . . وهي معلنة بضراوة وإصرار وعناد ، بشتى الوسائل على مدار التاريخ ومن ثم فهذه الأحكام الواردة في هذه السورة أحكام أصيلة وشاملة وغير موقوتة بزمان ولا مقيدة بمكان . . ولكن العمل بالأحكام إنما يتم في إطار المنهج الحركي الإسلامي ، الذي يجب أن يتم الفقه به ، قبل أن يتحدث المتحدثون عن الأحكام في ذاتها . وقبل أن يحمل واقع ذراري المسلمين - الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان - وضعفهم وانكسارهم على دين الله القوي المتين
إن الأحكام الفقهية في الإسلام كانت - وستظل دائماً - وليدة الحركة وفق المنهج الإسلامي . والنصوص لا يمكن فهمها إلا باستصحاب هذه الحقيقة . . وفرق بعيد بين النظرة إلى النصوص كأنها قوالب في فراغ؛ والنصوص في صورتها الحركية وفق المنهج الإسلامي . ولا بد من هذا القيد : « الحركة وفق المنهج الإسلامي » فليست هي الحركة المطلقة خارج المنهج؛ بحيث نعتبر « الواقع البشري » هو الأصل أياً كانت الحركة التي أنشأته ، ولكن « الواقع البشري » يصبح عنصراً أساسياً في فقه الأحكام إذا كان قد أنشأه المنهج الإسلامي ذاته .
وفي ظل هذه القاعدة تسهل رؤية تلك الأحكام النهائية في العلاقات بين أهل الكتاب والمجتمع المسلم؛ وهي تتحرك الحركة الحية؛ في مجالها الواقعي؛ وفق ذلك المنهج الحركي الواقعي الإيجابي الشامل.








ابو معاذ     





في ظلال القرآن - سيد قطب







-

ثم اشتعل مرجل الحقد الصليبي منذ موقعة اليرموك الظافرة ، التي أعقبها انطلاق الإسلام لتحرير المستعمرات الإمبراطورية الرومانية في الشام ومصر وشمال إفريقية وجزر البحر الأبيض . ثم بناء القاعدة الإسلامية الوطيدة في الأندلس في النهاية .
إن « الحروب الصليبية » المعروفة بهذا الاسم في التاريخ ، لم تكن هي وحدها التي شنتها الكنيسة على الإسلام ، لقد كانت هذه الحروب مبكرة قبل هذا الموعد بكثير . . لقد بدأت في الحقيقة منذ ذلك التاريخ البعيد . . منذ أن نسي الرومان عداواتهم مع الفرس؛ وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد الإسلام في جنوب الجزيرة . ثم بعد ذلك في « مؤتة » . ثم فيما تلا موقعة اليرموك الظافرة . . ثم تجلت ضراوتها ووحشيتها في الأندلس عندما زحفت الصليبية على القاعدة الإسلامية في أوربة ، وارتكبت من الوحشية في تعذيب ملايين المسلمين وقتلهم هناك ما لم يعرف التاريخ له نظيراً من قبل . . وكذلك تجلت في الحروب الصليبية في الشرق بمثل هذه البشاعة التي لا تتحرج ولا تتذمم؛ ولا تراعي في المسلمين إِلاًّ ولا ذمة .
ومما جاء في كتاب « حضارة العرب » لجوستاف لوبون - وهو فرنسي مسيحي - :
« كان أول ما بدأ به ريكاردوس الإنجليزي أنه قتل أمام معسكر المسلمين ، ثلاث آلاف أسير سلموا أنفسهم إليه ، بعد أن قطع على نفسه العهد بحقن دمائهم . ثم أطلق لنفسه العنان باقتراف القتل والسلب ، مما أثار صلاح الدين الأيوبي النبيل ، الذي رحم نصارى القدس ، فلم يمسهم بأذى ، والذي أمد فيليب وقلب الأسد بالمرطبات والأدوية والأزواد ، أثناء مرضهما » .
كذلك كتب كاتب مسيحي آخر ( اسمه يورجا ) يقول :
« ابتدأ الصليبيون سيرهم على بيت المقدس بأسوأ طالع ، فكان فريق من الحجاج يسفكون الدماء في القصور التي استولوا عليها . وقد أسرفوا في القسوة فكانوا يبقرون البطون . ويبحثون عن الدنانير في الأمعاء أما صلاح الدين ، فلما استرد بيت المقدس بذل الأمان للصليبيين ، ووفى لهم بجميع عهوده ، وجاد المسلمون على أعدائهم ووطأوهم مهاد رأفتهم ، حتى أن الملك العادل ، شقيق السلطان ، أطلق ألف رقيق من الأسرى ، ومنّ على جميع الأرمن ، وأذن للبطريرك بحمل الصليب وزينة الكنيسة ، وأبيح للأميرات والملكة بزيارة أزواجهن » .
ولا يتسع المجال في الظلال لاستعراض ذلك الخط الطويل للحروب الصليبية - على مدار التاريخ - ولكن يكفي أن نقول : إن هذه الحرب لم تضع أوزارها قط من جانب الصليبية . ويكفي أن نذكر ماذا حدث في زنجبار حديثاً . حيث أبيد المسلمون فيها عن بكرة أبيهم ، فقتل منهم اثنا عشر ألفاً وألقي الأربعة الآلاف الباقون في البحر منفيين من الجزيرة ويكفي أن نذكر ماذا وقع في قبرص ، حيث منع الطعام والماء عن الجهات التي يقطنها بقايا المسلمين هناك ليموتوا جوعاً وعطشاً ، فوق ما سلط عليهم من التقتيل والتذبيح والتشريد ويكفي أن نذكر ما تزاوله الحبشة في اريترية وفي قلب الحبشة ، وما تزاوله كينيا مع المائة ألف مسلم الذين ينتمون إلى أصل صومالي ، ويريدون أن ينضموا إلى قومهم المسلمين في الصومال ويكفي أن نعلم ماذا تحاوله الصليبية في السودان الجنوبي . ويكفي لتصوير نظرة الصليبيين إلى الإسلام أن ننقل فقرة من كتاب لمؤلف أوربي صدر سنة 1944 يقول فيه؟
« لقد كنا نخوّف بشعوب مختلفة ، ولكننا بعد اختبار ، لم نجد مبرراً لمثل هذا الخوف .
لقد كنا نخوّف من قبل بالخطر اليهودي ، والخطر الأصفر ، وبالخطر البلشفي . إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه . إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد ثم رأينا أن البلاشفة حلفاء لنا ، أما الشعوب الصفراء فهنالك دول ديمقراطية كبرى تقاومها . ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام ، وفي قوته على التوسع والإخضاع ، وفي حيويته . . إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي «










ابو معاذ     
ابو معاذ     

سيد قطب





[URL="https://www.facebook.com/SayyidQutb#"][/URL]




من هي الحبيبة المنشودة التي كان يقصدها الأستاذ سيد قطبرحمه الله في قصيدته "الحبيبة المنشودة"؟


القصيدة:


تيمت كل فؤاد في هواهـــا**واستوت من كل نفس في حشاها
مزجت بالروح في تكوينها**فهـــي لا ترضى بها شيئا سواها
صوروها وتولوا وصفهــــا**ويحكم يا قوم شوهتم حــــــلاها
فُتن الطفل بها في مهـــــــده**وغــــرام الشيخ فيها قد تناهى
سبَّح العصفـــور شدا باسمها**ورآهـــــا فتنة لمـا رآهــــــــــا
هي روحانية في سحــــــــرها**مزجت بالروح فازداد سناهــا
إنها في النفس أبهــــى صورة**فدعوها حيث شاءت تتباهــى
هي معنى غير محــــــدود فلا**تحصروها في حدود تتناهـــــى
اتركوها تسبح الأرواح فيهـا**إنكــــــم لن تدركوا يوما مداهـا
ليس في الألفاظ أو بين الدمى**مفصح عنها كما نحن نراهــا
هي ماذا؟ هي معنى قد سما**هي روح يبعث الموتى شذاهـــا
هي وحي يلهم النفس فتسمو**عن خسيسات الأماني وخناها
أرأيت الطير يشدو فرحـــــــا**منشدا عذب الأماني منتقاهــــا
هو لما ذاق منها كأسهــــــا**أسكرته فتغنى في لماهـــــــــــا
أم رأيت الطـــــفل إذ تكبحه**تظلم الدنيا ويغشـــــــــاه دجاها
هو لا يرجـــــو سواها متعة**وهو إذ يبكـــي على شيء بكاها
هي روح الحســـن في عليائه**صورة أخـــرى له أنت تراها
جاهد الأحـــــــرار في ميدانها**ثم ماتوا بفخــــار في حماها
لو يضحوا في هواها غاليا**كل ما عز رخيص في هواها






ابو معاذ     
سيد قطب



إنه لا إصْلاح لِهَذه الأرْض، وَلا راحَة لِهَذه البَشريَّة، وَلا طُمْأنينَة لِهَذا الإنسان، وَلا رِفعَة وَلا بَرَكَة وَلا تناسُق مَعْ سُنـَن الكَوْن وَلا مَعْ فِطْرَة الحَياة إلا بالرُجوع إلى رب هَذا الكَوْن .








ابو معاذ     
سيد قطب وحرية العقيدة..
-------------------------------
يقول الأستاذ الشهيد -بإذن الله-:


"كانت رسالة الإسلام ثورة على طاغوت التعصب الديني، وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى : {لا إكراه في الدين} ، { وَلو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.


لقد تحطم طاغوت التعصب الديني، لتحل محله السماحة المطلقة، بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجبًا مفروضا على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي.


وحينما شرع القتال في الإسلام . وعرض القرآن حكمة القتال، قال : { أذِنَ للّذينَ يُقاتَلونَ بأنهم ظُلِمُوا وإن اللَّه على نصرهم لقدير، الذين أُخرِجُوا من ديارِهم بغير حق إِلا أَن يقولوا ربّنا اللَّه ولولا دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض لهدّمت صَوَامِع وَبِيَعٌ وصَلَواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم اللَّه كثيرًا}


والصوامع : معابد الرهبان.
والبيع : كنائس المسيحيين.
والصلوات : معابد اليهود.
والمساجد: مصليات المسلمين.


وقد قدم الصوامع والبيع والصلوات في النص على المساجد توكيدا لدفع العدوان وتوفير الحماية لها".
المصدر: "دراسات إسلامية".. صـ 13-14
ابو معاذ     

في ظلال القرآن - سيد قطب


الإنسان ابن هذه الأرض . ومن ترابها نشأ ، ومن ترابها تكوّن ، ومن ترابها عاش . وما في جسمه من عنصر إلا له نظيره في عناصر أمة الأرض . اللهم إلا ذلك السر اللطيف الذي أودعه الله إياه ونفخه فيه من روحه؛ وبه افتراق عن عناصر ذلك التراب . ولكنه أصلاً من التراب عنصراً وهيكلاً وغذاء . وكل عناصره المحسوسة من ذلك التراب .
ولكن أين التراب وأين الإنسان؟ أين تلك الذرات الأولية الساذجة من ذلك الخلق السوي المركب ، الفاعل المستجيب ، المؤثر المتأثر ، الذي يضع قدميه على الأرض ويرف بقلبه إلى السماء؛ ويخلق بفكره فيما وراء المادة كلها ومنها ذلك التراب . .
إنها نقلة ضخمة بعيدة الأغوار والآماد ، تشهد بالقدرة التي لا يعجزها البعث ، وهي أنشأت ذلك الخلق من تراب.

ابو معاذ     
ابو معاذ     
سيد قطب



[URL="https://www.facebook.com/SayyidQutb#"][/URL]




إن للجنس البشريّ كله كرامته، التي لا يجوز أن تستذل: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (الآية) .. كرمناهم بجنسهم، لا بأشخاصهم ولا بعناصرهم ولا بقبائلهم. فالكرامة للجميع على سبيل المساواة المطلقة، فكلهم لآدم. وإذا كان آدم من تراب، وإذا آدم قد كُرّم، فأبناؤه جميعا سواء في هذا وفي ذاك!




ابو معاذ     
معالم في الطريق









فلا بد إذن - في منهج الحركة الإسلامية - أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها. لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون أنه لم يختلط ولم تشبه شائبة. نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق، وجود الله سبحانه.. ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة، وقيمنا وأخلاقنا، ومناهجنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة.

ابو معاذ     

سـَيـِّد قـُطـْب

‏Qutb



إن الطريق شاقة،إن الطريق ليست مفروشة بالورود،إن الطريق مليئة بالأشواك لا.بل إنها مفروشة بالأشلاء ،مزينة بالدماء،غير مزينة بالورودِ والرياحين
ابو معاذ     
سيد قطب







إنه لا جهاد، ولا شهادة، ولا جنة، إلا حين يكون الجهاد في سبيل الله وحده، والموت في سبيله وحده· والنصرة له وحده، في ذات النفس وفي منهج الحياة.


لا جهاد ولا شهادة ولا جنة إلا حين يكون الهدف هو أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تهيمن شريعته ومنهاجه في ضمائر الناس وأخلاقهم وسلوكهم، وفي أوضاعهم وتشريعهم ونظامهم على السواء.


عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. (رواه الشيخان). وليس هنالك من راية أخرى، أو هدف آخر، يجاهد في سبيله من يجاهد، ويستشهد دونه من يستشهد، فيحق له وعد الله بالجنة، إلا تلك الراية وإلا هذا الهدف. من كل ما يروج في الأجيال المنحرفة التصور من رايات وأسماء وغايات! ويحسن أن يدرك أصحاب الدعوة هذه اللفتة البديهية، وأن يخلصوها في نفوسهم من الشوائب التي تعلق بها من منطق البيئة وتصور الأجيال المنحرفة، وألا يلبسوا برايتهم راية، ولا يخلطوا بتصورهم تصورًا غريبًا على طبيعة العقيدة.


لا جهاد إلا لتكون كلمة الله هي العليا؛ العليا في النفس والضمير، والعليا في الخلق والسلوك، والعليا في الأوضاع والنظم، والعليا في العلاقات والارتباطات في كل أنحاء الحياة. وما عدا هذا فليس لله ولكن للشيطان. وفيما عدا هذا ليست هناك شهادة ولا استشهاد. وفيما عدا هذا ليس هنالك جنة ولا نصر من عند الله ولا تثبيت للأقدام. وإنما هو الغبش وسوء التصور والانحراف.








ابو معاذ     



في ظلال القرآن - سيد قطب

أجل . هو وحده الحي . الحي حياة ذاتية غير مكسوبة ولا مخلوقة . وغير مبتدئة ولا منتهية . وغير حائلة ولا زائلة . وغير متقلبة ولا متغيرة . وما من شيء له هذه الصفة من الحياة . سبحانه هو المتفرد بالحياة .
وهو المتفرد بالألوهية . بما أنه المتفرد بالحياة . فالحي الواحد هو الله.

ابو معاذ     









لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة.. إلا بالرجوع إلى الله..
والرجوع إلى الله- كما يتجلى في ظلال القرآن- له صورة واحدة وطريق واحد.. واحد لا سواه.. إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم.. إنه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها. والتحاكم إليه وحده في شؤونها. وإلا فهو الفساد في الأرض، والشقاوة للناس، والارتكاس في الحمأة، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله:
«فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»




سيد قطب -رحمه الله -
في ظلال القرآن
ابو معاذ     
في ظلال القرآن - سيد قطب











** قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم } . .


وليس بينه وقد أسرف في المعصية ، ولج في الذنب ، وأبق عن الحمى ، وشرد عن الطريق ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية ، وظلالها السمحة المحيية . ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة . التوبة وحدها . الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع ، والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان :
** وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون }.
ـــــــــ
© في ظلال القرآن - سيد قطب











54
ابو معاذ     
سيد قطب



لا بد من تربية النفوس بالبلاء، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات.. لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة، كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف. والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى. فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين. وكلما تألموا في سبيلها، وكلما بذلوا من أجلها.. كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها. كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها.. إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيراً مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء، ولا صبروا عليه.. وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها، مقدرين لها، مندفعين إليها.. وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجاً..


ولا بد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى. فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة؛ وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد. والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون، والران عن القلوب.


وأهم من هذا كله، أو القاعدة لهذا كله..


الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها، وتتوارى الأوهام وهي شتى، ويخلو القلب إلى الله وحده، لا يجد سنداً إلا سنده. وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات، وتتفتح البصيرة، وينجلي الأفق على مد البصر.. لا شيء إلا الله.. لا قوة إلا قوته.. لا حول إلا حوله.. لا إرادة إلى إرادته.. لا ملجأ إلا إليه.. وعندئذ تطمئن الروح التى آمنت بربها وتعلو النفس وتسموا بخالقها
والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق:


"وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ : إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "


إنا لله.. كلنا.. كل ما فينا.. كل كياننا وذاتيتنا.. لله.. وغليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير.. التسليم.. التسليم المطلق.. تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجهاً لوجه بالحقيقة الوحيدة، وبالتصور الصحيح؛ أنه لامرد لنا إلا إلى الله.