THE MASTER

32

1,827

فليشغل المسلم نفسه بما يدر عليه خيرا

فليشغل المسلم نفسه بما يدر عليه خيرا








إن عدم معرفة الإنسان وقته يجعله غافلاً عما يملكه من الوقت، وهو من أثمن الأشياء التي أنعم الله عليه. فلا بد أن يعرف هذا الوقت الذي يمر عليه معرفة حقيقية، ليدرك ما يستطيع أن يوفره ليزداد ربحه، وينتبه إلى ما يضيع منه، ليقطع المنفذ الذي يتسرب منه وقته.

ولا يعرف شرف الوقت إلا الموفق في حياته. يجعل عمله في كل لحظة بما يناسبها.

قال الفضيل بن عياض - رحمه الله: - أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة.

استغلال كل لحظة

لا تمر على الإنسان من الوقت لحظة فراغ أبداً. لأن هذا الفراغ إما أن يكون لخير، وإما أن يكون لشر، فإن المسلم إذا لم يشغل نفسه بالحق، وصرفها إلى استغلال تلك اللحظة التي يظنها فراغاً، شغلته نفسه في تلك اللحظة إلى الشر، لأن النفس تنازع صاحبها لتوقعه في الشر إذ تفتح عليه باب الهوى، ووسوسات في قلبه، فيضيع صفاء القلب، ولذلك قيل:

الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غلمة. (محركة للغريزة).

فليشغل المسلم نفسه بما يدر عليه من ربح، أو على الأقل يبعدها عن مكائد النفس والشيطان، قال أحد الشعراء:

لقد هاج الفراغ عليه شغلاً

وأسباب البلاء من الفراغ

عدم الاستخفاف بالقليل

فالقليل إلى القليل يزيده، وإنما السيل من النقط.

وإن ضمّ القليل إلى القليل مع الدوام عليه يتكون منه الكثير الهائل العجيب، كما قال أحد العلماء (ابن النحاس الحلبي):

اليوم شيء وغداً مثله

من نُخب العلم التي تُلتقط

يحصّل المرء بها حكمة

وإنما السيل اجتماع النُّقط

كل كبير يبدأ بصغير

فالآلاف من الكنوز تبدأ بدينار، وإن الجبال أولها حصوة، والطريق الطويل بدايته خطوة. وقليل من الزمن يخصص كل يوم لشيء معين قد يغيّر مجرى حياة الإنسان، ويجعله أقوم مما يتصور، وأرقى مما يتخيل، إذ يجد كمية هائلة من الانتاج آخر الدرب.

وأحب الأعمال إلى الله أدومُها ولو قلّ، وقد قال الشاعر:

اطلب ولا تضجرَنّ من مطلب

فآفة الطالب أن يضجرا

أما ترى الحبل بتكراره

في الصخرة الصمّاء قد أثّرا

نتيجة احتكاك الحبل -وإن كان احتكاكاً ناعماً وقليلاً- بحجر الصوّان، ولكن باستمراره يجعل فيه أخدوداً وأثراً بيناً، ويعرفه أهل الآبار في الريف والبادية، حين يستقون بالحبل والدّلاء.

فلا يستخف أحد بنعمة مهما صغرت، وإن القليل من المولى الكريم كثير.

أما اليسير الأفضل فأقدم نموذجاً له هذا الحديث الشريف:

عن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة، حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحالة التي فارقتكِ عليها؟ قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلتُ بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته (مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي).

مضيعات الوقت الصغيرة

لحظات في أحوال عديدة تمر على الإنسان تجعله ينقص من رأس ماله (الوقت) دونما فائدة، وهذه اللحظات تنعت بمضيعات الوقت الصغيرة، لكن مضيع الوقت الصغير باستمراره يكبر ويكبر، والقليل من الوقت الضائع بتوالي الأيام يصبح كثيراً.

ما هي مضيعات الوقت الصغيرة؟

1-الانتظار لوسائل الركوب في المواقف أو الطرقات.

2-الانتظار في عيادة الأطباء أو المستشفيات.

3-عدم معرفة الكيفية الصحيحة لأداء العمل، الافتقار إلى التخطيط.

4-أحلام اليقظة.

5-الفوضى في إدارة الذات، أو الفوضى في الأوراق والأعمال.

6-حالات نفسية: فقدان الرغبة والملل، ضعف الإرادة.

7-الزوار بدون موعد.

8-الرغبة المثالية في الأمور والضبط.

9-التعقيدات الإدارية (الروتين).

10-الثرثرة والجدل.

11-أمين سر غير كفؤ (سكرتير).

إضاعة الوقت أعظم من الموت:

يوضح ابن القيم بقوله: إضاعة الوقت أعظم من الموت.

والسبب: أن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، وأما الموت فيقطعك عن الدنيا وأهلها، والمعلوم لدى العقلاء أن الدنيا لا تساوي شيئاً بالنسبة لدار الآخرة.

وقد قال ربنا سبحانه: «فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(التوبة: من الآية38).

فلتكن نية الإنسان في الخير قائمة على السبيل إلى الدار الآخرة كما ورد: نية المرء خير من عمله، وهو صحيح معناه.

الوقت غير حيادي

وقال الشافعي رحمه الله:

صحبت الصوفية فلم أستفد سوى حرفين -أي كلمتين- إحداهما: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، والثانية: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

فالوقت غير حيادي قطعاً، ولا يعرف الحياد بالنسبة للإنسان فإما له وإما عليه.

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:

إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.

نعم: إن الليل والنهار يؤثران على حياتك ووجودك بالإنقاص والضعف، فاعمل فيهما بالباقيات الصالحات.

و من عرف حق الوقت فقد أدرك الحياة، فالوقت هو الحياة.

غيض من فيض من كلامهم، واهتمامهم بالأوقات، وإنجازاتهم التي ضاقت الأوقات عنها، كما قالوا: الواجبات أكثر من الأوقات، وكأن الوقت مضاعف لَهمْ ببركته.

كيفية التعامل مع المضيعات الصغيرة؟

اعرف أولاً هذه المضيعات، وتختلف من شخص لآخر، ثم اعرف كيف تدير ذاتك ضمن الوقت الذي تملكه.

1-فكن جاهزاً عند الانتظار لدى الطبيب أو أي عمل يتطلب الانتظار بقراءة كتاب تحمله معك في جيبك أو محفظتك، أو بقراءة أوراق ومطالعتها، أو بإعادة ما تحفظ من كتاب الله ومراجعته.

2-اعرف الكيفية الصحيحة للعمل قبل البدء به، وتعرف جيداً على مهامك.

3-لا تنتظر الإيحاء، وإنما اعرف الواقع الذي فيه، واخطُ فيه، ولا تقلق.

4-رتب أمورك وأعمالك، وضع نظاماً لك.

5-شجع نفسك وابدأ العمل الآن في اللحظة التي ترى أنك لا تحبه.

6-كن صريحاً مع الزوار: إما وقت قليل الآن! وإما وقت طويل في موعد لاحق.

دخل زوار على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك؟ فقال: أصدقكم! كنت أقرأ، فتركت القراءة لأجلكم.

وجاء عابد إلى السري السقطي وهو العابد الزاهد، فرأى عنده جماعة، فقال: صرتَ مَناخ البطالين، ثم مضى ولم يجلس.

موفرات الوقت الصغيرة

1-أمين السر المساعد (السكرتير) الفعال.

2-صحة جيدة، والصحة تكون بالرياضة المفيدة، وبالغذاء المنظم.

3-رئيس متفهم، ورب عمل خلوق، ومدير فعال.

4-استخدام التقنية الحديثة (حاسوب، آلة حاسبة).



د. طارق محمد السويدان



التعليقات (2)

المستغفر     

جزاك الله كل الخير أخي في الله

غريب1     
شكرا على الموضوع وعلى الطرح الطيب