الطاقة: ماذا لو قلّد الإنسان الطبيعة؟
لا زالت الطبيعة تثير فينا الإعجاب وتستثير فينا الرغبة في سبر أغوارها وفهم أسرارها. من بين هذه الأسرار إنتاج النباتات للهيدروجين.
فهذه المادّة هي مصدر للطاقة غير ملوّث ولكن كيف السبيل إلى إنتاجه بصفة مستديمة.
من المعلوم أنّ حرق الهيدروجين لا ينتج أيّ غاز ملوّث ومتسبّب في الاحتباس الحراري.
لا توجد مناجم للهيدروجين ولذلك لا بدّ من إنتاجه بطرق صناعيّة إذا أردنا الاستعاضة عن النفط في تشغيل المحرّكات. نعلم أنّ النباتات تنتج عديد المواد عن طريق عمليّة التركيب الضوئي Photosynthèse وباستعمال أشعّة الشمس.
هل يمكن محاكاة هذه العمليّة لإنتاج الهيدروجين. يمكن الحصول على الهيدروجين من خلال تحويل الماء وباعتماد عمليّة التركيب الضوئي.
في مرحلة أولى يسمح التركيب الضوئي من امتصاص أشعّة الشمس وتحويلها إلى طاقة كيميائيّة ثمّ يقع تحويل هذه الأخيرة إلى مركز تحويل نباتي حيث يقع تفكيك الماء ثمّ يقع استعمال الأيونات من بروتونات وإلكترونات في مراكز تحويل أخرى لإنتاج جزيئات أخرى مثل السكر والهيدروجين. تتطلّب هذه السلسلة من العمليّات "مصنعا" للجزيئات شديد التعقيد وقع تشييده على مدى ملايين السنوات.
حتى وإن لم يتمكّن العلم بعد من محاكاة هذه العمليّة المعقّدة فإنّه من الجائز التفكير في محاكاتها واستلهامها. فالمرحلة الأولى من عمليّة التفكيك الضوئي تقع بفضل مادّة اليخضور Chlorophylle هذه المادّة القادرة على التقاط الأشعّة وتحويلها. أمّا عملية تحويل الماء فهي معقّدة وتستند لخليط كيميائي شديد التعقيد ويتكوّن أساسا من المنغنيز. يمكن القيام بتجارب عديدة تُركّب فيها مختلف المواد لإيجاد نظام كيميائي قادر على تحقيق هذه المرحلة بصفة اصطناعيّة وبأنجع الطرق.
وقام فريق بحث أوروبي من المختصّين في الكيمياء من وضع اللّمسات الأولى الناجحة لتطوير أنظمة من الجزيئات قادرة على تفكيك الماء وذلك باستعمال مواد مثل الريتينيوم Ruthénium الذي ينشط بمجرّد تعرّضه لأشعّة الشمس. فهو يفرز كتلة كهربائيّة إيجابيّة يقع تحويلها إلى خليط كيميائي آخر يلتصق بالماء الذي يتفكّك وينتج بروتونات وهذه الأخيرة تساعد على تركيب جزيئة الهيدروجين.
خلال العقد الأخير تعدّدت البحوث والتجارب لإيجاد مصدر طاقة بديلة وغير ملوّثة كالنفط ولكنّ هذه الإرادة لم تبرز سوى بارتباط بأزمة الطاقة التي يعيشها عالمنا وبالتنبّؤات التي تنذر بتراجع مصادر الطاقة الأحفورية.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو لماذا تغافل العلماء عن هذه البحوث ولم يتفطّنوا لها سوى مؤخّرا؟ فلقد تطوّرت عديد الصناعات الملوّثة والمضرّة بالبيئة بارتباط بقطاع النفط من ذلك المبيدات الكيميائيّة والمواد البلاستيكيّة.
يكمن الجواب في أنّ مؤسّسات النفط والكيمياء قد تمكّنت على مدى عقود من بسط نفوذها على قطاعات مثل الصيدلة والبذور كما أنّها تمكّنت من التأثير المباشر على قطاع البحث العلمي وفرضت عليه اختياراتها ومشاريعها التي لا يمكن أن تتناقض مع مصالحها في الإبقاء على النفط مصدرا رئيسيّا للطاقة.
0