محمدأبوحسين

39

6,928

خطبة الجمعة :: وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم

لشيخنا أحمد النعسان أبو شريف

مفتي منطقة الباب و ما حولها







بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
مقدمة:
إن مما يجب علينا معرفته أن المقدسات كلَّما كانت معظمة في نفوس أتباعها فإنها تبقى معظمة في نفوس الآخرين, وإذا هانت المقدسات في نفوس الأتباع هانت في نفوس الآخرين.
وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يُبَايَعُ لِرَجُلٍ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ, وَلَنْ يَسْتَحِلَّ الْبَيْتَ إِلا أَهْلُهُ, فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلا يُسْأَلُ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ, ثُمَّ تَأْتِي الْحَبَشَةُ فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا, وَهُمْ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ) رواه أحمد في مسنده.
وجوب تعظيم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة:
وإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم المقدسات في نفوس أتباعه صلى الله عليه وسلم, وذلك امتثالاً لقول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}. ولقوله عز وجل: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}.
وهذا واجب على الأمة تجاه نبيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وهو حق لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم, فيجب على الأمة نصرةُ النبي صلى الله عليه وسلم وتقويتُه بتقوية دينه, وتأييدُه وتوقيرُه, وهو الاحترام والتعظيم له صلى الله عليه وسلم.
وهذا ما شرطه النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة رضي الله عنهم في بيعة العقبة, كما جاء في مسند الإمام أحمد رضي الله عنه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ, وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ, وَعَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ, وَأَنْ تَقُولُوا فِي الله لا تَخَافُونَ فِي الله لَوْمَةَ لائِمٍ, وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمْ الْجَنَّةُ).
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصحابة الكرام رضي الله عنهم:
أيها الإخوة: إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معظماً في نفوس أصحابه الكرام رضي الله عنهم أيَّما تعظيم, ومن صور هذا التعظيم:
أولاً: روى البخاري عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية الحديث طويل وفيه: (ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ, قَالَ: فَوَالله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ, فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ, وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ, وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ, وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ, وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ, فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ, وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ, وَالله إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
ثانياً: ومن مظاهر تعظيم الصحابة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهم تكريمهم ما مسَّ يدَه الشريفةَ صلى الله عليه وسلم أو فمَه أو أيَّ عضو من أعضائه.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: (مَا مَسِسْتُ فَرْجِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وروى أحمد وابن ماجه عن كبشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، فشرب من فم قربة وهو قائم ، فقامت إليه فقطعته فأمسكته). وفي رواية تبتغي بركة فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: قَطْعهَا لِفَمِ الْقِرْبَة فَعَلَتْهُ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدهمَا: أَنْ تَصُونَ مَوْضِعًا أَصَابَهُ فَم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُبْتَذَل وَيَمَسّهُ كُلّ أَحَد.
وَالثَّانِي: أَنْ تَحْفَظهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَالاسْتِشْفَاء .
ثالثاً: ومن مظاهر تعظيم الصحابة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيمهم أجزاءه المنفصلة عنه صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم حاجاته الخاصة به صلى الله عليه وسلم.
أ ـ فقد روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه سقطت قلنسوته يوم اليرموك وهو في الحرب, قال الواقدي: وعندما اشتدَّ القتال وإذا بخالد رضي الله عنه يقول: حي حي, فعلا البطريق (وهو النسطور من الروم) على ظهر خالد في عثرته وقد سقطت قلنسوته من رأسه, فصاح: قلنسوتي رحمكم الله, فأخذها رجل من قومه من بني مخزوم وناوله إياها, فأخذها خالد رضي الله عنه ولبسها, فقيل له فيما بعد: يا أبا سليمان أنت في مثل هذا الحال من القتال وأنت تقول قلنسوتي، فقال خالد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه في حجة الوداع أخذت من شعره شعرات. فقال لي: ما تصنع بهؤلاء يا خالد؟ فقلت: أتبرك بها يا رسول الله وأستعين بها على القتال قتال أعدائي, فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال منصوراً ما دامت معك, فجعلتها في مقدمة قلنسوتي, فلم ألق جمعاً قط إلا انهزموا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم شدها بعصابة حمراء وحمل على النسطور وضربه على عاتقه فأخرج السيف من علائقه, وانحسر من بقي من ملوكهم. ذكره الواقدي في كتاب فتوح الشام.
ب ـ وعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قالا: (خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ, فَقَالَ: يَا بُنَيّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي؟ قَالَت: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ, وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجِسٌ, وَلَمْ أُحِبّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ, قَالَ: وَالله لَقَدْ أَصَابَك يَا بُنَيّةُ بَعْدِي شَرّ) رواه البيهقي.
ج ـ عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً يوم أحد فقال: (مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ)؟ فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني, ثم قال: (مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ)؟ فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني, ثم قال : (مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ)؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ, حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ: (أَنْ تضْرَبَ بِهِ الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ) قَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِحَقّهِ, فَأَعْطَاهُ إيّاهُ.
وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلاً شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ, وَكَانَ إذَا أَعلمَ بِعِصَابَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النّاسُ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ, فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ, وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ, فلما رَأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ قال: (إنّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللّهُ إلا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ).
فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ, وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ.
فقال الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ: وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ, وَقُلْت: أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتَهِ، وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ, فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي، وَاَللّهِ لأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ, فَاتّبَعَتْهُ فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ: أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا, فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي *** وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ


أَلا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكيولِ *** أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ


وَيُرْوَى فِي الْكُبُول .
فَجَعَلَ لا يَلْقَى أَحَدًا إلا قَتَلَهُ. وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلا ذَفّفَ عَلَيْهِ, فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ, فَدَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ, فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ, وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ, ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا.
قَالَ الزّبِيرُ: فَقُلْتُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ, فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ, فَإِذَا امْرَأَةٌ, فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة: ما قلت هذا إلا لما يفعله بعض طلاب العلم من التنفير من رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الغلو فيه كما يظنون, وكأنهم يريدون أن يجعلوا بين المؤمن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جفوة, حتى يظن المؤمن بأن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم مات معه كل شيء من التعظيم والتوقير والاحترام والصلة, وربما أن ترى هؤلاء يرمون المؤمن المعظم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالشرك والردة والعياذ بالله تعالى.
فمع هؤلاء أقف في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى. أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

التعليقات (3)

المستغفر     

جزاك الله كل الخير أخي في الله

محمدأبوحسين     
اهلا بالاخ غريب
بارك الله بك وجزاك الجنة ان شاء الله
غريب1     
باااااارك الله فيك وجاااااااازاك كل خير