AMIRAL

22

1,925

أعزة هناك واذلة هناك


بعدما سرقوا الأرض فإنهم لم يترددوا في سرقة التاريخ، شجعهم على ذلك أنهم وجدوا الطريق مفتوحا والريح مواتية.

فحين قررت إسرائيل إدراج الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح في الضفة الغربية ضمن لائحة مواقعها الأثرية، فإن أصواتا عدة فلسطينية وأخرى عربية دعت المجتمع الدولى إلى التدخل لوقف الجريمة.

وهو ما أعطى انطباعا بأن القيادات الفلسطينية والعواصم العربية باتت بلا حول أو قوة، ولم تعد تملك سوى أن ترفع صوتها بالجؤار والشكوى، وتقديم العرائض والالتماسات إلى من يهمه الأمر في واشنطن وربما في الرباعية الدولية.


الحرم الإبراهيمي الذي يقع في مدينة الخليل رهن الاعتقال منذ عام 1994، حين قام أحد المستوطنين بإطلاق النار على الجموع التي قدمت لصلاة الفجر فقتل 29 فلسطينيا فى داخله،

وانتهى الأمر بسيطرة الجيش الإسرائيلي على الحرم ومحيطه، ثم تقسيمه لاحقا بين المسلمين واليهود. استجابة لضغوط المتطرفين الذين يعتبرون الحرم خاصا بهم، بدعوى أن النبي سليمان بناه بمساعدة الجن، فوق مغارة سيدنا إبراهيم، التي دفن فيها مع زوجته سارة وأبنائه إسماعيل وإسحاق ويعقوب وزوجاتهم.

ورغم أن المظاهر الإسلامية طاغية عليه، من المحراب إلى المنابر وغير ذلك، ولا أثر يهودي فيه، إلا أن قرار الحكومة الإسرائيلية لم يأبه لذلك،

تماما كما فعل مع مسجد الصحابي بلال بن رباح في بيت لحم، الذي يقولون إنه بنى فى موقع قبر «راحيل»، الزوجة الثانية لنبى الله يعقوب ووالدة النبى يوسف عليه السلام.


القرار الإسرائيلي صدر بعد أيام قليلة من اغتيال الموساد للقيادي الفلسطيني محمود المبحوح فى دبي، ووسط الحديث عن الاستعداد لاستئناف المفاوضات بصورة غير مباشرة بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى خلال ثلاثة أسابيع، التى يتصور المتفائلون أنها يمكن أن تفضي إلى فتح ملفات الحل النهائي، التى تنتهى بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وهو الحديث الذى تنشغل به بعض عواصم العرب وتتعلق بأهدابه وأوهامه، فى حين تواصل حكومة إسرائيل مخططات القمع والاعتقال والتوسع الاستيطانى والتهويد وتجريف الأراضى أمام تقدم السور الوحشى.. إلخ،

كأننا بصدد ملعب كبير يسيطر عليه فريق إسرائيلى ما برح يمطر مرمى «الخصم» بالأهداف،

أما الفريق الآخر الفلسطينى والعربى فإنه يجلس عاجزا فى مقاعد المتفرجين، لا يقدر على فعل شىء سوى الصراخ والنحيب، وهو يشاهد الكرات تلقى فى مرماه بين الحين والآخر،

وهى لعبة عرف الإسرائيليون قواعدها جيدا ــ فظلوا يواصلون تسديد الأهداف، غير عابئين بصراخ الفريق «الخصم» واحتجاجاته ــ ومطمئنين إلى أن ذلك الصراخ هو آخر ما عندهم، وأنه قد يسمع الآخرين خارج الملعب، لكنه لن يحرك فيهم شيئا.

ولا غرابة فى ذلك، لأن أصحاب القضية إذا ارتضوا الهوان واستسلموا للعجز، فينبغى ألا يتوقعوا أن يدافع غيرهم عن حقهم وكرامتهم.


أخطر ما فى المشهد الراهن هو رسوخ اقتناع الإسرائيليين بأن الفلسطينيين والعرب ليسوا فقط عاجزين عن الفعل، ولكنهم أيضا غير راغبين فيه.

إذ لم يكن تواطؤا مع الإسرائيليين وتفويتا لهم جانب البعض، فاسترضاء للأمريكيين ومراعاة لخاطرهم من جانب آخر،

وهى الأجواء التى وقرت لإسرائيل وضعا استراتيجيا متميزا، أطلق يدها ليس فى فلسطين وحدها ولكن فى المنطقة بأسرها.


هذا الذى حدث فى الضفة الغربية تحت سمع وبصر السلطة الفلسطينية فى رام الله، يتزامن مع الجهد الذى يبذل إعدادا لبناء هيكل سليمان فوق أرض المسجد الأقصى.

وسيكون اتمام تشييد معبد «حوربا» بجوار حائط البراق الذى يمثل الجزء الغربى للمسجد، يوم 15 مارس المقبل إشارة البدء لإطلاق حملة بناء الهيكل الأسطورى على حساب المسجد الأقصى

(أحد حاخامات اليهود فى القرن الثامن عشر ــ اسمه جاؤون فلينا ــ كان قد حدد موعد بناء الهيكل الثالث يوم 16 مارس عام 2010).


إن إسرائيل تتقدم كل يوم على طريق ابتلاع فلسطين وطمس هويتها العربية والإسلامية، والمأساة الحقيقية أنه وهى تفعل ذلك، فإن العالم العربى يبدو إما مستغرقا فى خلافاته وتناقضاته، أو معبئا ومستنفرا ضد ما يسمى بالخطر الإيرانى،


يوما ما توعد وزير خارجيتنا الهمام بكسر رجل كل من يعبر الحدود المصرية من الفلسطينيين، لكننا لم نلمس منه جرأة أو غيرة مماثلة إزاء رسائل الاستعلاء والازدراء التى تبعث بها إسرائيل كل يوم إلى العرب أجمعين، ومصر فى المقدمة منهم،


لقد قلبنا الآية، وصرنا أعِزَّة على الأشقاء وأذلة على الغاصبين والمفترين.

التعليقات (1)

عماد الدين السقا     

مشكور يا غالي

تقبل تحياتي