فاصل(اسق العطاش)
فاصل(اسق العطاش)
فاصل ( اسق العطاش ) لوحة موسيقية غنائية مدتها نحو ساعة من الزمن ، وفي روايات أخرى ، قد تستغرق زمناً أكثرمن ذلك بكثير . وهو أكثرالفنون الغنائية تعبيراً عن أحاسيس الناس ومشاعرهم ازاء موقف انساني معين بالكلمة الصادقة واللحن المعبر ، وهذا الفاصل ألفه ولحنه الناس في مدينة حلب ، ويعود تاريخه وأصله الى مئات السنين ، ويقول العلامة الحلبي خير الدين الاسدي في موسوعة حلب المقارنة .. أن حلب تعرضت في زمن بعيد الى جفاف وقحط شديدين ، بحيث احتبست الامطار طويلا ، وضاق الناس والزرع والارض ، حتى انقطع الأمل والرجاء في النفوس واتجه أهالي حلب بالمئات الى ظاهر المدينة ، وفي رواية أخرى إلى جبل الجوشن ، وهو هضبة تقع وسط حلب ، ويحمل حالياً اسم جبل الأنصاري، ويضم مبنى إذاعة حلب، وهناك انطلقت القلوب الى السماء، تطلب من الله الرحمة والتوبة وزوال المحنة الشديدة ، واستجاب الرحمن لعباده ، بينما كانت أصوات الألوف تردد :
ياذا العطا... ياذا الوفا ... ياذا الرضا ... ياذا السخا
اســـق العطـاش تكرمــــــــــا
واستجاب الله لتضرعات المحتشدين ودعواتهم ، وانهمرت الأمطار ، وروت ظمأ الناس والحيوان والزرع ففرح الناس , وأقاموا الاحتفالات ، وأنشدوا الموشحات والقدودالحلبية والاغنيات الشعبية ابتهاجاً باستجابة الله لدعواتهم . وأصبحت فقرات فاصل ) اسق العطاش ) تقدم في المناسبات والأفراح ، وكانت عرضة للتغيير والتبديل والضياع ،الى أن قام الشيخ عقيل المنبجي ـ مبتكر رقص السماح ـ بجمع وترتيب فقرات الفاصل ،حتى أخذ شكله الفني الحالي .وحرصاً على الفاصل من الضياع ، قام الموسيقي الحلبي أحمد الأوبري بتوثيق الفاصل في كتيب حمل عنوان ) فصل اسق العطاش الشهير) . وتصدرالكتيب مقدمة كتبها فتح الله قسطون ، الذي قام بجمع الفاصل وضبط ألفاظه ، بينما كتبأحمد الأوبري لمحة تاريخية فنية عنه . وصدر الكتيب في تموز عام 1929 . ويقول فتح الله قسطون في مقدمته للكتيب والفصل مأخوذ عن كتاب خطي قديم عنوانه / سلافةالحان وسفينة الألحان / يقع في مائة وخمسين صفحة ونيف . يرجع تاريخه إلى أكثر منمائة سنة . كله بخط جامعه السيد محمد الوراق منشد التكية الهلالية بحلب . وقد كان رحمه الله من غواة الموسيقيين وأئمة الملحنين في عصره ، مع ما اشتهر به من العلم والصلاح . وتخرج على يديه عدد كبير من المشايخ والمنشدين والملحنين الحلبيين .
ولقد راعينا فيما أخذناه عن الكتاب لهذا الفصل ، ما شاع منه على ألسنة الحلبيين ، خاصة من التواشيح والأغاني ، ضاربين صفحاً عما سواها ، اللهم إلامالابد منه لقوام الفصل أو لانتظام النغم ). والفاصل طويل جداً . وفيما إذا تم تسجيله ، قد يستغرق ثلاث أو أربع ساعات .
وظل فاصل ( اسق العطاش( يقدم ناقصاً أو على شكل فقرات منفصلة ، الى أن قام الفنان صباح فخري باختيار ساعة منه ،وقام بتسجيله بصوته ضمن حلقات البرنامج الموسيقي ) نغم الأمس ) ، كما قام الموسيقي والباحث السوري مجدي العقيلي بتوثيق الفاصل بالكلمة والنوتة الموسيقية في الجزءالخامس من كتابه ( السماع عند العرب ) ، لكن نسخة العقيلي لايمكن الاعتماد عليها ، ففيها موشحات حديثة ومعروفة الملحن ، منها على سبيل المثال موشحا ( ياعريباً بالحمى ) تلحين عمر البطش و(اجمعوا بالقرب شملي) تلحين سيد درويش . والموشحان ينتميان إلى النصف الأول من القرن العشرين ، بينما الفاصل عمره مئات السنين. ويبدأ الفاصل بأبيات شعرية تطلب الصفح والغفران من الله تعالى ويقوم المطرب بغنائها ارتجالاً تقول هذه الأبيات :
مولاي أجفاني جفاهن الكرى
والـشـــوق لاعجـــه بقلبي خيمـا
مولاي لي عمل .. ولكن موجبُ
لــعقوبتي فــاحـنن علي تكـرمــا
واجلِ صدى قلبي بصفوِ محبـة
ياخير من أعطى الجزاء وأنعما
وتردد المجموعة :
ياذا العطا.. ياذا الوفا ياذاالرضا .. ياذا السخا
اســــق العطاش تكرما
فالعقل طاش منالظما
غث اللهفان وارو الظمآن واسقنايارحمن
من منهل الاحسـان غــــــريب الاوطـــــــان
ياصاحب الورد الذي أحيا الحمى
املالـــي الكاســـات يــاســاقي الأجـــــــــواد
وانعش من قد مـات ظمـــــــانالأكبـــــــــــاد
وبعد هذه المقدمة التي فيها الابتهال والدعاء لله تبدأ الموشحات والقدود الحلبية التي يتناوب على غنائها المطرب والمجموعة ، وتأتي بالتسلسل التالي :
موشح ( كئيب الفؤاد ( ، موشح ( ملكتم فؤادي في شرعالهوى ) ، موشح )ويلاه من نار الهجران) ، قد ( هيمتني تيمتني ) ، قد ( جاني حبيبيأبو الحلقة ) ، ارتجال شعري ( يالائمي بالهوى العذري كفاك شجار( ، ارتجال شعري ) عطفاً أيا جيرة الحرم ) ، موشح ( ياغزالاً كيف عني أبعدوك ) ، موشح ) أهوى الغزال ( ، قد ( قدك المياس ) ، قد ( بيني وبينك حالوا العوازل ( .وهذا الترتيب حسب النسخةالتي قام بتسجيلها الفنان صباح فخري والتي تحدثنا عنها قبل قليل ، باستثناء ( قدك المياس) الذي هو ليس من أصل الفاصل ، بل هو إضافة من صباح فخري ، أما نص الفاصل الذي أورده مجدي العقيلي في الجزء الخامس من كتابه ( السماع عند العرب ( ، فقد تضمن بعد الافتتاحية الابتهالية السابقة سبعة وثلاثين عملاً غنائياً مابين موشح وقد وأغنية شعبية ولوحة غنائية.
والموسيقي اللبناني توفيق الباشا ، استهواه فاصل (اسق العطاش )، فقام بتقديمه برؤية موسيقية جديدة ، اذ أدخل عليه اضافات شعرية نظمها الشاعر اللبناني مصطفى محمود ، وقدمه توفيق الباشا مطبقا عليه اساليب الموسيقا السمفونية وخاصة ( البوليفينية ) أي التآلف الموسيقي بعد أن وضع في لحنه عدة خطوط موسيقية ، وطبق التعددية الصوتية (canon)، وقدمته فرقة موسيقية كبيرة قريبة من الأوركسترا السيمفوني .
مراجع البحث:
* من كنوزنا ( الموشحاتالأندلسية)- فؤاد رجائي- حلب1954
* موسوعة ( أعلام الأدب والفن) – أدهم آلالجندي- دمشق1954
* السماع عند العرب- مجدي العقيلي – وزارة الثقافة – دمشق1979
* الموسيقا في سورية- عدنان بن ذريل – وزارة الثقافة – دمشق1969
* فاصل اسق العطاش- أحمد الأوبري- حلب - 1
مشكور يا غالي
تقبل تحياتي