عمان .. السلطنة ترحب بالفاير
سأبدأبتاريخ عمان
جغرافية عُمان السياسية
تبرز الأهمية الإستراتيجية لموقع عمان منذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على خارطة العالم فهي تحتل قلب العالم الإسلامي وعند شواطئها تنتهي الحدود الشرقية للوطن العربي .
ومن هذا الموقع الذي يمثل قلب الدائرة عند مدخل الخليج العربي تشترك عمان وإيران في التحكم في مدخل أغنى مناطق إنتاج البترول في العالم وذلك عن طريق مضيق هرمز , الذي يمر به أكثر من 60% من إمدادات العالم النفظية كما يمر به نحو 90% من واردات اليابان النفطية و 70% من واردات السوق الأوروبية المشتركة و50% من إحتياجات الولايات المتحدة الإمريكية .
ويمكن تلمس الجوانب السياسية للمكان الجغرافي ضمن ثلاث مراحل في تاريخ عمان :
المرحلة الأولى
منذ أوائل التاريخ القديم كانت المناطق المجاورة للأطراف الشرقية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية مكاناً لنشاط عدة سلطات سياسية , سيطرت على الطرق البرية والبحرية والتجارية التي تنصب إليها أجزاء العالم القديم المعروف في أسيا وإفريقيا وأوروبا .
وحينما أصبحت الدولة الإسلامية أكبر دول العالم في العصور الوسطى أخذت أطراف الجزيرة العربية على الخليج العربي وعلى خليج عمان تسترجع مكانتها على طرق التجارة العالمية القديمة .
المرحلة الثانية
وهي مرحلة الركود التي تبدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حيث تسببت أحداث كثيرة في تدهور أوضاع المنطقة ومن أهم هذه الأحداث تسلل البرتغاليين وسيطرتهم على البحار الشرقية وهذا أسقطت كل المنطقة بما فيها عمان في ركود طويل نتيجة لفقدان أهميتها المركزية في طرق التجارة العالمية .
المرحلة الثالثة :
وهي التي تبدأ منذ منتصف القرن السابع عشر حيث طهرت دولة اليعاربة في عمان ونجحت إلى حد كبير في كسر شوكة العدو الذي لا يقهر بينما راحت قوى أوربية جديدة – الإنجليز والهولنديون والفرنسيون – تتفاعل مصالحهم وتتصادم بهدف التحكم في منطقة الخليج وبلغت هذه التفاعلات درجة كبيرة من التعقد والتشابك .
لقد أدركت عمان أهمية موقعها وسط طوفان العلاقات الدولية المتصادمة لذلك سعت من أجل جعل الخليج منطقة سلام وهذه السياسة لم تكن مجرد إستجابة سلبية لأهمية الموقع الجغرافي بل كانت إستجابة لدواعي التنمية والتقدم لذا فقد حرصت عمان على تنمية علاقاتها الدولية من خلال علاقات متوازنة مع جميع دول العالم دون النظر لطبيعة نظمها السياسية والإقتصادية .
يصعب فهم مكونات الجغرافية السياسية لعمان دون التعريف بالخطوط العريضة للأرض العمانية التي تشكل المسرح البيئي الذي تجري فوقه الأحداث السياسية وتستأثر البيئة الساحلية بقسط كبير من نشاطات الإنسان العماني فعند سواحل عمان تنتهي كتلة شبه جزيرة العرب التي يسميها البعض كتلة الدرع العربي وعلى مسافة قريبة من الساحل تمتد الشعاب المرجانية الصالحة لوجود محار اللؤلؤ الذي لعب دوراً في التخفيف من حدة المشاكل الإقتصادية لفترة طويلة من الزمن .
فإذا ما إنتقلنا إلى بيئة اليابس فهناك بيئات طبيعية تماثل الوجه الأخر من قصة صراع الإنسان العماني مع البيئة وهو يكافح في صنع حياته ومستقبلها .
وتتكون المناطق الداخلية من عمان من هضبة قديمة يصل إرتفاعها إلى أكثر من 1300م ينتصب وسطها الجبل الأخضر الذي يصل إرتفاع بعض جهاته إلى أكثر من 3000م , وتحدد الأودية التي تتجه من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي سفوح هذه المناطق المرتفعه المنحدرة بإتجاه السهول الساحلية .
وتشكل هذه السهول الساحلية مع المناطق الجبلية المرتفعه المجال الواسع الذي يمارس فيه العمانيون نشاطهم الزراعي حيث تسبب الرياح الموسمية الصيفية كمية من الأمطار لا تقل عن 250مم , ولأسباب جغرافية بيئية فقد تركز معظم العمانيون في محافظة مسقط ومنطقة الباطنة إذ يسكنهما ما يزيد قليلاً عن نصف عدد سكان عمان وإذا أضفنا محافظة ظفار كدنا نحصل ما يقل قليلاً عن ثلثي عدد سكان عمان .
أما التوزيع الفعلي للسكان في الوقت الحاضر فقط إختلف كثيراً عما كان عليه في الماضي بسبب برامج التنمية التي إستوعبت كل مناطق عمان .
ويتميز العمانيون بأنهم من أكثر الشعوب إرتباطاً ببيئتهم وخصوصاً أهل الريف والبادية لذا كانت نسبة سكان الريف حتى مطلع الثمانينات تصل إلى 75% من مجموع عدد السكان ويبدو هذه النسبة قد إنخفضت مع نهاية الثمانينات بسبب الهجرة الداخلية إلى أن دراسات الاسقاط المستقبلي في ضوء إرتباط العماني ببيئته وفي ضوء مشاريع التنمية للمجتمعات الريفية والبدوية تبين أن هذه النسبة لا تزال 50% في أوائل هذا القرن .
ليس من قبيل المصادفة أن دولاً بذاتها لعبت دوراً حضاريا فاعلاً في عمر البشرية ، بينما دولاً أخرى لعبت دوراَ متواضعاَ , فالموقع الجغرافي لبلد ما يعد محطة لشبكة من العلاقات والقيم الحضارية , وقد إعتبر بعض المؤرخين الموقع بمثابة محظة الموارد الطبيعية للثروة القومية وعدها رأسمالاً طبيعياً وسياسياً أصيلاً .
بل أن الموقع الجغرافي يعد في حالات كثيرة الرأسمال الحقيقي لعدد من الدول التي إستثمرت موقعها بجدارة فائقة .
وعمان تعد واحدة من الدول التي يصعب فهم تاريخها خارج إطار جغرافيتها , لأن إمكانات الموقع لا تحقق نفسها بنفسها بل من خلال الإنسان , ولأن هذه الإمكانات لا تظهر كاملة كطفرة واحدة وإنما تنمو وتبرز وتتطور في عملية حركية حيث تتفاعل العناصر الجغرافية والتاريخية بحركة منتظمة أحياناً وعشوائية في بعض الأحيان .
وهكذا إكتسب موقع عمان أهميته عبر قرون وحقب تاريخية من خلال مراحل محددة ومتميزة كل مرحلة تنكشف فيها طاقات جديدة محصلتها في النهاية رصيد ضخم من التراث الحضاري .
وإذا كانت عمان تتميز بموقع جغرافي فريد بحكم تميز حدودها الجغرافية الطبيعية فإن هذا الموقع قد حفظ لها شخصيتها المستقلة وأصبح إتصالها بالبحر من سماتها الواضحه وكان تنوع أقاليمها الجغرافية في مقدمة العوامل التي جعلت من جغرافية عمان رصيداً قومياً ضخماً , فإمتداد السواحل لأكثر من 1700 كيلومتر وتميزها بكثرة الخلجان الطويلة العميقة , وفي الداخل جبال بها سفوح سكنها الإنسان العماني منذ أقدم العصور إلى أودية إنحدرت من هذه الجبال وشكلت منظومة طبيعية إضافة إلى الصحاري التي كانت دائماً متنافساً للقبائل الضاربة في الصحراء .
لقد ضمن كل هذا التنوع مساحة من الأرض تقدر بـ 312 ألف كيلومتر مربع , بيد أن عمان الحالية لا تمثل بلاد عمان في السابق , فقد كانت تشمل بعض الأقاليم المجاورة حيث كانت تمتد جنوباً حتى الشحر وغرباً حتى الربع الخالي وتتصل بالبحر من الجهات الشرقية والجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية وتحد من الشمال بالبحرين .
لقد كان كل هذا التفرد في الموقع نتيجة هامة حيث سلك العمانيون طريق البحر ونبغوا في ركوبه والاستفادة منه حتى اصبحت بلادهم قاعدة الخليج الأولى التي تتحكم في مداخلة من الجنوب وحلقة الوصل الرئيسية بين عالمين عالم الشرق الأقصى ممثلاً في الهند والصين وجنوب شرق أسيا من جهة وشرق إفريقيا ومصر ومنها إلى غرب أوروبا من جهة أخرى .
واللافت للنظر في جغرافية عمان أن إرتباط اليابس بالبحر يعد قاعدة إستراتيجية حيث وجد العمانيون أنفسهم أمام وضع جغرافي جعلهم في حالة من الإستنفار الدائم .
لذا فإننا نستطيع ان نقول أن التوازن بين البحر واليابس شكل حلقة من حلقات النضال المتواصل ومن أجل ذلك فقط إرتبط الماء باليابس في منظومة متناغمة شكلت في مجملها كل هذا التراث التاريخي الضخم .
وإذا كانت ثمة خاصية واحدة تميز بها موقع عمان الإستراتيجي إستمرت وأصبحت من الثوابت فتلك الخاصية هي إنها كانت دائماً إقليماً فاعلاً , قطب قوة وقلب إقليم , حتى وهي محتلة أو مجزأة فلقد كانت مركز دائرة وليس هامش دائرة أخرى .
لا شك إن هذه الخصوصية الجوهرية التي تكاد تنطوي على متناقضات مثيرة لا يمكن إرجاع اسبابها إلا إلى جذور جغرافية أصيلة .
والحقيقة المؤكدة في شخصية عمان الإستراتيجية هي إجتماع موقع جغرافي أمثل مع موضع طبيعي مثالي وذلك في توازن وتناغم عجيبين , فإذا كانت الصحراء دائماً من ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي منذرة بالخطر وإستنفار الهمم فإن البحر بغموضه وتحدياته كان يدق من الجانب الآخر , وهكذا عاشت عمان دائماً في حالة من الخطر الذي يتناسب طردياً مع أهمية الموقع إلا إنه خطر من النوع الذي يثير الهمم ويفتق الذهن ويبعد الإنغلاق .
وإذا كانت الجغرافية وراء السياسة فلعلها تنفق بشكل لافت مع عمان التي تعكس شخصيتها الإستراتيجية ملامح سياستها الخارجية والداخلية بدقة متناهية بما يؤكد مقولة ديجول الشهيرة ((الجغرافية هي قدر الأمم (( بل هي العامل الثابت في صناعة التاريخ , لذا فقد قدر لعمان أن تكون قوة برمائية تضع قدماً على اليابس وأخرى على الماء وتجمع بذلك بين ضفتي قوة البر والبحر بدرجات متفاوتة , لكن في الغالب كان نداء البحر أقوى من جاذبية القاعدة وفي جميع الحالات التي إنطلق فيها العمانيون عبر المحيطات والبحار كأن البحر واليابس يتفاعلان بطريقة متناغمة فاليابس عمقاً إستراتيجياً لتربية الرجال وزراعة الأرض وصنع الحضارة , والبحر مجالاً حيوياً لتصدير تلك الحضارة والقيم الإنسانية .. وهكذا تحققت كل الأعمال الكبيرة حينما إرتبط البحر باليابس وتفاعلا معاً في منظومة جغرافية مثالية لا تتكرر كثيراً .
لقد كان تاريخ عمان القديم يكتنفه الغموض إلا بقدر ما تسمح به المصادر العربية القديمة وبعض المصادر الأجنبية من معلومات مشوهة أحياناً وغير حقيقية في كثير من الأحيان .
ومنذ عصر النهضة العمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها إكتشاف مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العماني الشرقي والغربي ترجع إلى الالف السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات إخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى الآلف الخامس قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمه وأمتعة شخصية تشير إلى ان سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما احترف بعضهم مهنة قنص الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري .
وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي اجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى , ففي دراسة نشرها كل من ب كوستا , ت. ج ولكنسن حلو منطقة صحار قدم المؤلفان معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التتي ترجع أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية .
كما قدم الباحثان (كوستا وولكنسن) تقريراً علمياً دقيقاً يؤكد وجود مناطق تعدينية لإستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلومتراً على سفح جبال الحجر الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في مطلع الآلف الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة إستمرار إستغلال هذه المناجم إلى العصور الإسلامية .
كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن إستخدام النحاس منذ القرن الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عمان عن طريق الرحلات البحرية في الخليج .
ومنذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد أخذ إستخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول , لذا فقد أخذت التجارة العمانية تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية الواسعة فيما عرف بطريق البخور .
لقد تضاعفت أهمية تجارة عمان منذ الألف الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العمانيين على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العمانيون من الهند ويقومود بنقلها إلى بقية الأسواق العربية , ومما يستلفت النظر إن إسم (مجان) قد أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألف الأولى قبل الميلاد , حيث شمل جميع الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية إبتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز .
وعموما فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العمانيون بديلاً في اللبان والبخور والخيول والمنتجات الهندية والصينية , ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى الحرف التقليدية التي إمتهنها العمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة وبرعوا في توفير المياه من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما يؤكد مقدرة الإنسان العماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في إستغلال المياه من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عمان ثم يقول (لقد أجرى الملك إليها نهراً مسافة أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب .
وعموماً فإن هذه الرواية تقدم دليلاً على تفنن العمانيين في شق الأفلاج بما يؤكد تفاعلهم مع الطبيعة وتفننهم في إستخدامها تحقيقاً لخلق مجتمعات مستقرة لديها من الأنماط الحضارية ما يقيم دليلاً على إنها مجتمعات غاية في القدم .
.....
أجمع المتخصصون في الدراسات المسمارية القديمة أن الإسم الحديث لمجان القديمة هو عمان وأن تجار بلاد وادي الرافدين قد إستوردوا من مجان حجر الدايوريت وأن السفن العمانية كانت تجلب هذا الحجر بطلب من التجار العراقيين منذ عام 2340/2284 ق.م وقد فضله العراقيون على الذهب حيث صنعوا منه الاختام الأسطوانية والأوزان بسبب صلابته الشديدة وندرته في العراق لكي يسدوا الطريق أمام المتلاعبين بالأوزان والأختام , إضافة إلى ذلك فقط قام تجار ملوخا بتوريد الأخشاب إلى العراق حيث يتخارون الأنواع الجيدة وينقلونها من الهند إلى العراق وإن العلامات المسمارية التي كتبت بها مدينة مجان قد أكدت شهرة المدينة بصناعة السفن التجارية لأن إسمها كان يكتب بالعلامتين (ما) التي تعني سفينة و (جان) وتعني هيكل وبذلك يكون معنى الإسم كاملاً هو (هيكل السفينة) ومما يضاعف من هذا الإعتقاد هو إن عمان خلال الفترة العباسية وحتى أوائل القرن التاسع عشر كانت مشهورة بصناعة السفن , وبناء على هذه الحقائق يمكننا القون بأن (مجان) هي التي كانت تزود دلمون (البحرين) بالسفن وتزود غيرها من المراكز التجارية في الخليج العربي خلال العصور القديمة .
لقد ورد في كتابات الحاكم كوديا 2144/2123 ق.م إسم مدينة جوبن مباشرة بعد مدينة ملوخا ومجان وذكر بأنها موطن شجر الخالوب (البلوط) وهذا النوع من الأخشاب كان يستورد من مجان لذلك فقد حدد علماء الدراسات المسارية موقع مدينة جوبن في منطقة الجبل الأخضر لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في جنوب شرق الجزيرة العربية التي تمتلك أشجار يحتاج العراق إلى أخشابها علماً بأن إسم هذه المدينة لم يذكر في المصادر المسمارية التي سبقت فترة حكم الأمير كوديا لذلك فمن المرجح أن هذه المدينة قد بدأت تلعب دورها التجاري في الربع الأخير من الألف التالثة قبل الميلاد وقبل هذا التاريخ كانت مجان تقوم بمهمة تصدير أخشابها .
لعبت ظفار دوراً حضارياً فاعلاً في التاريخ القديم بحكم كونها مصدراً أساسياً للبان والصمغ اللذين كانا في مقدمة السلع التي تحظى بإهتمام كبير في العالم القديم مما أثار أهتمام المؤرخين القدامى منذ عام 400 قبل الميلاد بداية من هيرودوت وبيليني وبطليموس وإنتهاء بأسترابو وديودورس وجميعهم قد خلقوا لنا إنطباعاً عن أهمية اللبان والصمغ في نجارة العالم القديم وقد أجمعوا على ان الطلب على اللبان كان لا يضاهية طلب على أية سلعة تجارية أخرى .
وقد كان ميناء رأس قرتاك (جبل القمر) هو الميناء الذي يصدر منه اللبان والصمغ إلى أنحاء متفرقة من العالم القديم أما الطريق البري فقط كان يبدأ من غرب ظفار إلى جنوب الجزيرة العربية ثم شمالاً إلى نجران حتى غزوة ومنها إلى مصر ومن أهم الطرق التي ذكرها الجغرافيون القدامى الطريق الذي يربط ظفار بشرق الجزيرة العربية حتى بلاد سومر في العراق .
لقد أشار المؤرخون المسلمون إلى أوبار وحدوداً موقعها شمال ظفار بينما أشار إليها نشوان بن سعيد الحميري وحدد موقعها في المنطقة التي تقطنها قبيلة عاد (المنطقة الشرقية من اليمن) ويبدوا أن (أوبار) أو (وبار) لم تكن إسماً لمدينة وإنما كانت أرضاً واسعة وتحديد موقعها في ظفار سيظل موضع جدل لم يحسم بعد .
لم يكتف العمانيون بتصدير اللبان وإنما أضافوا إليه الشحوم وصنعوا منه البخور الذي كان يستخدم في الطقوس الدينية والعلاج والتطيب وشكل هذا المنتج أهمية كبيرة في حركة التجارة خلال العصر الحجري الحديث وتشير الدراسات المسمارية القديمة إلى أن العراق قد أعتمد على اللبان والصمغ الذي يأتي من ظفار ومنذ حوالي 500 عام ق.م كانت طلبات العراق تتزايد على البخور والعطور والصمغ القادم من بلاد ظفار ومنذ عام 2000 قبل الميلاد شهدت المنطقة إنقلاباً هائلا في مناخها حيث أخذت البيئة تتجه نحو التصحر والجفاف مما ألحق ضرراً كبيراً بأشجار اللبان مما دفع سكان ظفار إلى العناية بالجمال وإستئناسها لأستخدامها في تجارة القوافل البرية وقد أثبتت الكشوف الأثرية أن تجارة القوافل البرية صارت حقيقية ثابتة بحلول عام 1500 قبل الميلاد .
وبحلول العصر البرونزي والعصر الحديدي أزدهرت منطقة شصر التي شهدت مجتمعات عمرانية هائلة وخلال العصور الوسطى أشارت الكثير من المصادر إلى أهمية شصر ونشاط سكانها في تجارة البخور والخيول ويبدو أن شصر لم تفقد أهميتها التجارية إلا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي حيث هجرها أهلها إلى مناطق أخرى مجاورة .
لقد إختلفت الروايات التاريخية حول التحديد الزمني لدخول الإسلام في عمان , فبينما تشير الكثير من المصادر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي بادر بدعوة حكام عمان إلى الإسلام وهما جيفر وعب أبناء الجلندي , بيد أن الذي أختلف عليه المؤرخون هو تحديد الفترة التي بعث فيها الرسول إلى حكام عمان حيث تذكر بعض الروايات ان ذلك قد حدث عام 6 هـ بعد صلح الحديبية إلا أن رواية أخرى تحدد تاريخ المراسلة بعد فتح مكة عام 8هـ وتذهب رواية ثالثة إلى أن ذلك قد حدث عقب حجة الوداع .
ويمكن القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد إهتم بتوسيع رقعة الإسلام عقب فتح مكة وزوال المقاومة القرشية , حيث أصبح الإسلام هو القوة الكبرى في بلاد العرب عنذ ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى ملوك الدول المجاورة ومن هؤلاء ملكا عمان : جيفر وعبد أبناء الجلندي.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل كتاباً مع أبي زيد الأنصاري إلى الجلندي أو إلى جيفر عام 6 هـ ثم بعض بكتاب آخر مع عمرو بن العاص عام 8هـ وكتاباً ثالثاً إلى أهل عمان رواه أبو شداد الدمائي من أهل دما قال : جاءنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعة أدم : ( من محمد رسول الله إلى أهل عمان , أما بعد , فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله , أدوا الزكاة وخطوا المساجد وإلا غزوتكم) . وهناك كتاب أخرى رابع تسلمه عبدالله بن علي الثمالي ومسلية بن هزان , حينما قدما في رهط من قومهما على الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوا على قومهم وكتب الرسول لهم كتابما بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم .
ونتيجة لهذه الكتب ونتيجة لأتصال بعض أهل عمان المباشر بالرسول صلى الله عليه وسلم أفرادا وجماعات إنتشر الإسلام في عمان إنتشاراً واسعاً ساعد على ذلك إن محمد عليه الصلاة والسلام قد جعل حكم عمن بيد أبناء الجلندي في حالة إعتناقهم الإسلام وفوض إبن العاص في جمع الزكاة من أغنياء البلاد وتوزيعها على من يحتاجها من الفقراء والمساكين .
وقيل أن وفداً من الأزد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو نعيم عن سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال : ما أنتم ؟ قلنا: مؤمنون , فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال : إن لكل قوم حقيقة , فما حقيقة قولكم وإيمانكم , قلنا: خمس عشرة خصلة , خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها , وخمس أمرتنا أن نعمل بها , وخمس تخلفنا بها في الجاهلية , فنحن عليها إلا أن تكره شيئاً منها فنتركه , فقال عليه الصلاة والسلام: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت, قال : والخمس التي أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قلنا: الشكر عند الرخاء والصبر على البلاء ولرضاء بمر القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماته بالأعداء , فقال: حكماء وعلماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء , ثم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصله , إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا مالا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شئ أنتم عنه غداً زائلون وأتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون , وأرعبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون.. فأنصرفوا وقد حفظوا وصيته عليه السلام . لذا فلا عجب أن نجد الرسول الكريم يدعوا لأهل عمان قائلاً: (رحم الله أهل الغبيراء (أهل عمان) أمنوا بي ولم يروني) .
وما كانت دعوة الرسول لأهل عمان بالخير إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد إستوثق من إسلامهم إسلاماً خالصاً مخلصاً من كل شائبة , وتجمع الروايات التاريخية على ان العمانيين قد إستجابوا لدعوة الرسول دون تردد أو خوف وحينما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام غادر عمرو بن العاص عمان مطمئنا إلى حسن إسلام العمانيين فعاد إلى المدينة وصحبه وفد من العمانيين كان على رأسهم عبد بن الجلندي أحد ملكي عمان وجعفر بن جشم العتكي وأبو صفرة سارق بن ظالم وعندما قدموا على مجلس أبي بكر الصديق قام سارق بن ظالم وقال: ياخليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد برئنا إليكم منها , وخاطبهم الصديق قائلاً: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب , ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل , فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم , جزاكم الله خيراً .
والحق أن خطبة أبي بكر الصديق في الوفد العماني هي بمثابة وثيقة خطيرة الشأن في حسن أخلاق العمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق .
ولما توفي الخليفة الأول أبوبكر الصديق رضي الله عنه أقر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عبد وجيفر على عمان ومنحهما الحرية الكاملة ف تصريف شؤون بلادهما الداخلية على أن تبقى في إطار النظام العام للدولة الإسلامية , وبعث عثمان بن أبي العاص الثقفي عاملاً من قبله ليتولى جمع الصدقات والزكاة على أن يترك شؤون عمان الداخلية للأخوين عبد وجيفر أكراماً لهما على حسن إسلامهما .
39