التونسي يصمم النظم الذكية والآليات الناطقة
يلاحظ أن العلماء العــــرب الذين تألّقوا في الغرب، يتوزعون على فئتين عمريتين رئيسيتين. فهناك الرعـــــــيل الأول الذي حقق شهرة عالمية. وهنالك الجيل الثاني (من متوسطي الأعمار) الذي يواصل مسيرة الإبداع ويبشر بمستقبل واعد.
وينتمي العالِم العربي فخر الدين الكراي (مواليد الستينات، وهو كندي من أصل تونسي) الى الرعيل الثاني من علماء العرب في المهجر. تخرّج في جامعة تونس بدرجة مهندس أول في علوم الهندسة الكهربائية. وأهّله تفوقه للحصول على منحة دراسية من وزارة التعليم العالي في تونس كي يكمل دراساته العليا في الولايات المتحدة التي سافر إليها عام 1985. في البداية، درس في جامعة إلينوي، وتخرج فيها عام 1989 بشهادة دكتوراه في مجال النُظُم والتحكّم (Systems and Control). وفي مقابلة مع «الحياة»، أوضح الكراي أن بحوثه الأولى تركزت على وضع تصاميم لأنظمة تحكّم جديدة للتمكن من تشغيل هياكل فضائية كبيرة، بما يضمن استمرارها في الدوران حول الكرة الأرضية كي تُنجِز بحوثاً وتجارب لا يمكن إجراؤها على سطح الأرض، خصوصاً تلك المشاريع التي تديرها «وكالة الفضاء والطيران الأميركية» (ناسا).
الروبوت يتعرّف الى الصوت بذكاء
وخلافاً للعديد من العلماء العرب الذين آثروا العمل في أميركا دون غيرها، لوفرة مراكز بحوثها وشهرتها العالمية وتفوّقها علمياً وتكنولوجياً، اتّخذ الدكتور الكراي بعد تخرجه في جامعة إلينوي قراراً بالسفر إلى كندا. وتذكّر تلك اللحظة قائلاً: «عند حصولي على الدكتوراه، كانت كندا منغمسة في مشروع فضائي كبير يتمحور حول وضع تصميم لذراع روبوت آلي عملاق، أُطلق عليه اسم «كندا آرم» Giant Space Robotic Arm – Canada Arm. ويبلغ طول هذه الذراع 20 متراً، وصُمّم كي يستخدم في بناء «محطة الفضاء الدولية» International Space Station العالمية التي تساهم فيها 25 دولة».
وأضاف: «عملت في هذا المشروع أربع سنوات ضمن فريق بحوث تابع لجامعة «بريتش كولومبيا» الكندية التي كانت مساهمتها فعّالة في تصميم الذراع».
وفي عام 1997 انتقل كراي إلى جامعة «واترلو» الكندية التي يشغل فيها حتى الآن منصبي أستاذ في الهندسة وعلوم الكومبيوتر، ومدير مشارك في «مختبر تحليل الأنماط وذكاء الآلات» Pattern Analysis and Machine Intelligence Laboratory.
ومن أبرز إنجازاته في مجالات النُظُم الذكية:
> تصميم جهاز مؤتمت وقائي يحفظ سلامة سائق السيارة من الأخطار والحوادث المفاجئة، عِبر تزويده بإشارات ومعلومات تحدّد وزنه وسرعته وظروف الطريق التي يسلكها.
> جهاز التعرّف الذكي للصوتيات الذي يتيح للإنسان الآلي أن يتحدث مع إنسان عادي، وأن يعرف لغته أو اللهجة التي يتكلم بها، وأن يحدّد المنطقة التي ينبعث منها الصوت والحاجة التي يريدها والتفاعل معه بشكل عام. ويقول الكراي إن هذا الجهاز «أنجز وهو في طور التسويق العالمي من قبل شركات دولية متخصصة. لقد صُنّف ضمن أكثر 25 اختراعاً قيمة خلال عام 2009، في مجال بروتوكول نقل الصوت عبر الانترنت، المعروف باسم «فيوب» Viop.
> تصميم محرك بحث للصوتيات والمرئيات باللغة الإنكليزية على غرار محركات البحث التي تستعمل الكلمات المكتوبة، مثل «غوغل» و «ياهوو» و «بينغ» وغيرها. يتضمن المحرك برنامجاً متطوراً يستطيع استخراج المعلومات وانتقاءها من بين قواعد بيانات ضخمة. وأوضح كراي ان «تطوير هذا البرنامج تطلّب (وما زال) مجهود مجموعة من مصمَمي الخوارزميات والبرمجيات الذكية. وتتعاون جامعة «واترلو» مع شركة «أوبن تكست» Open Text لإنتاجه صناعياً، وكذلك تسويقه داخل كندا وخارجها.
> الإشراف على فريق عمل من مهندسين وباحثين في جامعة «واترلو» لوضع تصميم لإنسان آلي (روبوت) منزلي يتخصّص في مساعدة العجزة والمسنين، كما يوفر لهم إمكان التخاطب الطبيعي معه، كأنه إنسان مثلهم. وكذلك يلبي طلباتهم اليومية، فيستعينون به لإنجاز حاجاتهم المنزلية الأساسية، خصوصاً في الحالات الطارئة كتأمين الاتصال بالشرطة أو رجال الإسعاف أو غير ذلك.
وتتويجاً لهذه الخبرات والبحوث شارك الكراي في تأسيس شركتين متخصصتين في تصميم وصناعة الأجهزة الذكية. ويتولى الإشراف على إحداهما، إلى جانب مهماته الأكاديمية والإدارية في جامعة «واترلو». وتضم صفوف هاتين الشركتين أكثر من 150 مهندساً وباحثاً. وتتولى تسويق منتجاتهما التكنولوجية مكاتب عالمية متخصّصة. أنشئت الأولى عام 1999 وسُجلّت في كندا، وهي متخصّصة في تصنيع نُظُم الأمان والاتصال للسيارات. وفي عام 2003، تأسست الشركة الثانية التي تعمل في تصميم برمجيات آلية للتعرّف الذكي الى الأصوات.
يمتلك كراي سجلاً كبيراً من براءات الاختراع في النُظُم الذكية، بينها 13 مسجلة في الولايات المتحدة، إضافة الى 12 براءة لا تزال قيد الدرس في «المؤسسة العالمية لمنح شهادات الاختراع»، ومركزها واشنطن.
خلال فترة قصيرة نسبياً، تمكن كراي من ترؤس العديد من الجمعيات والمؤتمرات العلمية العالمية، كما قدّم فيها ما لا يقل عن 270 بحثاً. ويتبوأ حالياً رئاسة فرع واترلو في «جمعية نُظُم التحكّم»، إضافة الى رئاسته فرع واترلو في «جمعية علوم الكومبيوتر الذكية» في «المؤسسة الأميركية للهندسة الإلكترونية والكهربائية» («أي إي إي إي» IEEE) التي تحظى بمكانة دولية مرموقة.
كما ترأس 12 مؤتمراً عالمياً لتقنية البرامج والنُظُم الذكية التي استضافت تونس آخرها في عام 2009 وهو «المؤتمر العالمي للإشارات والنُظُم». وكذلك يشارك في ترؤس «المؤتمر العالمي عن النُظُم المستقلة والذكية»، الذي تستضيفه البرتغال في حزيران (يونيو) 2010.
تواصل مع العالم العربي
يساهم حالياً في تحرير عدد من الصحف العلمية العالمية التي تصدرها مؤسسة «أي إي إي إي» ومؤسسات علمية أخرى منها «مجلة أنظمة الميكاترونيك» و «مجلة النُظُم الذكية والتحكّم الآلي» و «مجلة العلوم الذكيّة». كما ألف (أوشارك في تأليف) عشرة كتب علمية، أشهرها «سوفت كومبيوتنغ إنتلجنت سيستمز ديزاين»Soft Computing Intelligent Systems Design (2004). وحاضراً، يلقي كراي محاضرات في أكثر من 50 جامعة.
منذ كان كراي طالباً في جامعة إلينوي في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، راودته فكرة تأسيس «الجمعية العلمية التونسية» بحيث تضم الطلاب والباحثين التونسيين في الجامعات الأميركية والكندية، ويكون هدفها نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى تونس.
وعقدت هذه الجمعية اجتماعها التأسيسي في كانون الأول (ديسمبر) 1986. ثم نظّمت عدداً من المؤتمرات والندوات العلمية والتكنولوجية في شمال أميركا وتونس. وكرّمه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بالنظر الى إسهاماته في نقل التكنولوجيا الى تونس والدول العربية، فمنحه ميدالية الرئاسة مرتين. وأشار الكراي إلى أن مجموعة من العلماء العرب أسست عام 2000 «المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا» في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد كان من المؤسسين. ويساهم فيها حاضراً كعضو في مجلس إدارتها وكرئيس لبرامج نشاطاتها تقنياً وعلمياً. وهي تضمّ حالياً حوالى 12 ألف باحث وعالم. وأشار الكراي الى أنه من علماء العرب الأوائل الذين أعدّوا برمجيات لتصميم خرائط فلكية دقيقة توضح إمكان رؤية الهلال في بداية الشهور القمرية، خصوصاً في رمضان وشوال. وأخيراً، دُعي الكراي الى المساهمة في الهيئة التأسيسية لـ «الرابطة الدولية للمهندسين العرب».
وأكد الكراي حرصه على مواصلة القيام برحلات منتظمة إلى بعض الجامعات العربية. وقد ساهم أخيراً في تأسيس «المعهد المتوسطي للتكنولوجيا».
لذلك نجد جميع المبدعين بعد تخرجهم يتجهون لبلاد ماوراء البحار حيث يجد ضالته .