علياء رحال

22

1,862

الأولياء قلوب سماوية

يلزم للسالك في طريق الله أن يزن نفسه وعطاءه بعطاء السابقين والعارفين والصالحين ؛ فإذا كنت أرى نفسي أنها ليس لديها شيء من الفتح أو خلافه إذن لماذا أظن في نفسي أنني قطب الوقت وغوث الزمـان وغوث المكان وأريد من الناس أن تمشي خلفي وتنتهي بأمري وتفعل ما أريده مع أنني مسكين محتاج لمن يأخذ بيدي لماذا كل ذلك ؟

أغير تقي يأمر الناس بالتقى .. طبيب يداوي والطبيب سقيم

دعوة الله شرطها أن أدعو إلى الله على بصيرة أين هذه البصيرة؟ نرى السرائر المنيرة نطالع ديوان أهل السرائر المنـيرة ونرى أحوالهم ونزن أنفسنا بميزانهم فإذا وصلنا لحالهم فبها ونعمت وإذا كنا لم نصل بعد لهذه الأحوال فلا تضحك علينا النفس وتجعلنا نعيش في عالم الأوهام أو في عالم الخيال أو في عالم الحدس والظنون

ومن الممكن للإنسان أن يرتع فيها ويعيش فيها إذا ظن في نفسه أنه على خير ولم يعد يحتاج إلى المرشد المربي أو يحتاج إلى شيخ ، فالذي يستغني عن الشيخ هو من سلمه الشيخ لرسول الله وأصبح رسول الله له رأى العين يراقبه ويعلمه ويهذبه ويمده بإمداداته

فطالما لم تصل لهذه المرتبة فإياك أن تترك من أقامه الله لأن الإقامة عناية من الله وملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب وإياك أن تقول كما قال الكافرون: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} الزخرف31

هل سنقسم رحمة ربنا؟ سيدي ياقوت العرش رضي الله عنه وارث سيدي أبو العباس المرسي وسيدي أبو الحسن الشاذلي ، دخل ملك مصر على سيدي أبى العباس فلم يقم له ولكنه أجلسه بجواره ودخل بعده ياقوت فقام واهتم به واحتضنه وأظهر له غاية الاهتمام

فدخل في قلب الملك شيء من ذلك أي لماذا يهتم بهذا الرجل أكثر مني؟ وسيدي ياقوت العرش كان عبداً جاء من الحبشة وعندما وقف الإمام أبو العزائم أمام ضريحه قال :

تواضعت رب العــرش أعليت بالفعل .. جعلت ترب الأرض للعــالم القطب

فله عز وجل التصرف المطلق فهذا تراب وجعله قطباً: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء23

وإذا كان هذا في نظرك جميل ، فالجميل هو الذي أعطاه هذا الجمال ، فلما رأى سيدي أبو العباس ما في قلب الملك نحو ياقوت قال: يا ياقوت إن صدري ضيق وعندي هموم وغموم ضيقت صدري ، فبكى ياقوت وعند بكائه ظهرت غيوم في السماء ، وأمطرت السماء لدموعه

فقال: يا ياقوت لقد طاب قلبي وذهب الغم عن صدري ، فسكت فإذا بالسماء تقلع عن المطر ولا يوجد فيها سحابة واحدة ، فقال سيدي أبو العباس رضي الله عنه للملك : هذا من الملوك السماوية أي الذين لهم تأثير في عالم السماء

وياقوت كان عبد في بلاد الحبشة - ولحظة ميلاده وهو في الحبشة والشيخ بالإسكندرية - فإذا بأبي العباس يقول لأهله: اصنعوا لنا وليمة اليوم ، فقالوا : ولم؟ قال : الآن ولد ياقوت العرش في بلاد الحبشة

ولد ياقوت ونما وترعرع وكان التجار يذهبون إلى الحبشة ويأخذون الصبيان ويخطفونهم ثم يبيعونهم عبيدا ومن ضمن من خطفوهم كان ياقوت ، وذهب تاجر من أصحاب الشيخ إلى بلاد الحبشة لإحضار تجارة فكان من ضمن التجارة ياقوت

وركبوا السفينة ، وسارت السفينة في البحر وهاج الموج وكادت تهلك فاستغاث التاجر بالله وتوسل بسيدي أبي العباس وقال: يا رب بجاه أبي العباس أسكن لنا البحر فسكن البحر في الحال ، لأنه يسأل الله ولكنه يتوسل إليه ببعض أحبابه _ وهذا لا ضير فيه

فإن الحبيب كان يتوسل بنفسه عند الخروج إلى الصلاة ، وكان يقول: "اللهم بحق السائلين عليك وبحق الراغبين إليك وبحق ممشاي هذا إليك " فسيدنا رسول الله نفسه كان يتوسل صلى الله عليه وسلم ، فلما سكن البحر وضع يده على ياقوت وقال: هذا العبد نذراً علي إذا أوصلنا الله بسلام أن أعطيه لسيدي أبى العباس يكون خادماً له

وسارت السفينة وإذا بياقوت يصاب بمرض القراع في رأسه وفي اليوم الذي ستصل فيه إذا بسيدي أبي العباس يقول لأصحابه : تعالوا بنا نتريض على البحر فوصلوا إلى الشاطئ في الوقت الذي وصلت فيه السفينة

فنزل التاجر وقبل يده وأراد أن يعطيه عبداً آخر غير المريض وقال : يا سيدي هذا العبد هدية لك ، قال: لا نريد إلا العبد الذي نذرته لنا ، قال: يا سيدي إنه مريض ، فقال : لاشأن لك به

فقدمه إليه فخلع عمامته ووضعها على رأسه ثم رفعها فشفي في الحال ثم أخذه وربَّاه حتى صار وارثاً له بأمر الله ، من أين هذه الوراثة؟ {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فاطر32

ألم يكن لسيدي أبو العباس أولاد؟ كان عنده وموجودين وأولاد سيدي أبو الحسن كانوا موجودين كذلك لكنها عناية الله ولا تعطى إلا بإشارة من الله ، هل يوجد منا من يقدر على اختيار رجل مكانه؟ ليس للعبيد شأن مع الحميد المجيد في هذا الأمر {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} الأنعام124

وهذا أمر الله يعطيه الله لمن يحب من عبيده وليس فيه شأن لصغر سن أو لكبر سن أو طول مصاحبة أو قلة فترة ، فمن الجائز أن يدخل واحد اليوم ويكون هو الوارث – ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب ، ولكن المهم أن لا تحجب نفسك بهذا السبب فتزن نفسك بأحوال الصالحين وأحوال المقربين وأحوال الأنبياء والمرسلين تطالع أخلاقهم وأحوالهم

ولذلك يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: من أسرار ذكر الله لقصص الأنبياء والمرسلين في القرآن أن يتعلم الإنسان منهم ما يحبه الله وما يبغضه الله لأنك ترى من أحوالهم في القرآن ما الذي يحبه الله فتعمله وماذا يبغض الله وينهى عنه فتبتعد عنه ، حتى قال: وحكايات الأنبياء والمرسلين في القرآن هي الطهور المدار للمقربين والمحبوبين الذي يدار عليهم من كتاب رب العالمين

لأن هذا ما يبحثون عنه يريدون أن يعثروا على ما يدخلون به على الله بأن يروا أحوال الأنبياء والمرسلين ثم بعد ذلك يروا أحوال الصالحين لكي يقيس الإنسان نفسه ويزن نفسه ، فمن يغفل عن ميزان نفسه طرفة عين أو أقل يتعب ويعطب ويصاب بالزلل وبالخلل

وعلى الرغم من أن سيدنا رسول الله رأى العطاءات والهبات وأكرمه الله ، ورفعه إلى عالم الملكوت والسموات وفيها ما فيها من فضل الله وكمال الله وعطاء الله إلا أنه لم يلتفت طرفة عين إلى ذلك كله ، ليعلمنا أن الدخول على حضرة الله لا يكون إلا بالأدب: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17

لم يلتفت هنا أو هناك فقد عرضت عليه كل الجمالات فلم يلتفت إليها وإنما كان كل همه مولاه وكل بغيته أن ينال رضاه وكل سعيه وكل فعله ليصل بذلك إلى أن يكون محبوباً لحضرة الله مراداً لذات الله وبعد ذلك يكون كل شيء في الكون كله عاليه ودانيه مسخر لخدمته لأنه في خدمة مولاه جلَّ في علاه

مقامات الإسراء والمعراج فيها لذيذ الشراب وهنيء الطعام لمن أراد أن يصل لمقام القرب من الملك العلام فإن الله جعل فيها إشارات وتلويحات لمن أراد أن يكون من أهل السعادات وجعل فيها كنوزاً من العلم الوهبي وكنوزاً من العلم الذاتي لمن يريد الله له أن يكون محبوباً لحضرته وأن يكون مراداً لعظمته



http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%D1%D3%C7%E1%C9%20%C7%E1%D5%C7%E1%CD%ED%E4&id=51&cat=2

منقول من كتاب {رسالة الصالحين}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً





التعليقات (1)

الزواوى     

ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون هذه الآيات تتمة لما قبلها من آيات التوحيد مقررة ومؤكدة لمضمونها ; لأن توحيد العبادة ونفي الشرك فيها هو أس الإسلام ، ولا يتقرر في الأذهان ، ويثبت في الجنان ، ويكمل بالوجدان ، إلا بتكرار الآيات فيه نفيا وإثباتا لمضمون كلمة ( لا إله إلا الله ) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم الدعاء مخ العبادة ، وركنها الأعظم ، فلا يصح توحيد أحد لله إلا بدعائه وحده ، وعدم دعاء أحد معه . كما قال : فلا تدعوا مع الله أحدا ( 72 : 18 عقلاء أمثالكم ، فكيف ترفعونها عن هذه المثلية ، إلى مقام الربوبية ؟ !