( كتاب الصلاة ) : الشيخ زيد البحري
مختصر فقه العبادات
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب الصلاة )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :
ذكر الصلاة بعد الطهارة : لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة .
( مسألة )
[ فرضت الصلاة قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهي مشروعة في جميع الملل ، لكن لا تماثل صلاتهم صلاتنا ]
( الشرح )
فرضت على المشهور قبل الهجرة بثلاث سنين ، والصلاة مشروعة في الأمم السابقة ، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله عز وجل عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام :
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ }مريم55
ومنها قوله تعالى لمريم :
{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }آل عمران43
لكن كما قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" لا تماثل صلاتهم صلاتنا"
فهي تختلف لكن أصل الصلاة موجود في الأمم السابقة.
( مسألة )
[ لا تصح الصلاة من الكافر والحائض والنفساء ]
( الشرح )
لا تصح من الكافر ، وذلك لأن جميع ما يفعله من عبادات باطلة فلا نية له صحيحه. قال عز وجل :
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ }التوبة54
وأما الحائض والنفساء فلقوله عليه الصلاة والسلام:
( أليست إذا حاضت لم تصلي ولم تصم )
ولذا يحرم عليها الصوم والصلاة أثناء الحيض وأثناء النفاس.
( مسألة )
[ من أسلم لا يُلزم بقضاء ما فاته ، ولو صلى الكافر فمسلم حكما ، وهو محاسب عليها إن مات على كفره ، لكن إن أسلم قبل خروج الوقت أُلزم بصلاة هذا الوقت ]
( الشرح )
الكافر إذا اسلم لا يلزم بقضاء ما فات لقوله تعالى:
{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ }الأنفال38 .
ولقوله عليه الصلاة والسلام:
( الإسلام يهدم ما قبله )
وفي رواية :
( يَجُبُّ ما قبله )
ولو أن كافرا صلى فنحكم بإسلامه حتى و لو لم يقصد الإسلام .
ومن ثمَّ إذا صلى وعاد إلى الكفر وقال " لم أرد الصلاة " فهو مرتد تطبق عليه أحكام المرتدين .
والكافر كما انه يحاسب على كفره يحاسب على ترك الصلاة ويزاد عليه في العذاب .
لكنه لو أسلم قبل خروج وقت الصلاة فإنه يلزم بقضاء هذه الصلاة .
لكن لو لم يسلم إلا بعد خروج الوقت فلا يلزم كشأن الصلوات السابقة.
فإذاً هو لا يلزم بقضاء ما فات من الصلوات إلا إذا أسلم قبل خروج الوقت فيصلي صلاة هذا الوقت.
( مسألة )
[ لا تصح الصلاة ممن لا عقل له ، وكذا الطفل الذي لم يميز، أما المميز فيأمره وليه وجوباً ، والثواب للصغير ولوالده ثواب الأمر ، والصحيح أنه إن صلى ثم بلغ في أثناء الصلاة أو بعد الصلاة في وقتها لا يعيد ومثله الصوم .لأنه أتى بها على مقتضى الأمر الشرعي . أما لو بلغ بعد خروج وقتها فلا إعادة ]
( الشرح )
"من لا عقل له لا نية له "
مثل / المجنون "لو صلى فصلاته باطلة .
وكذلك الطفل الذي لم يميز .
والتمييز / يكون ببلوغ سبع سنين ، والمراد إذا أتم السابعة ودخل في الثامنة ، وأما ما قبل ذلك فإن جميع عباداته غير صحيحة ، إلا في الحج
فغير المميز يصح حجه ، وأما بقية العبادات فإن الطفل الذي لم يميز لا تقبل منه عبادة لأنه لا نية له .
أما المميز فتصح منه الصلاة ويأمره وليه بها ويجب على وليه أن يأمره لقوله عليه الصلاة والسلام ، كما في السنن:
( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر )
وإذا صلى فإن ثواب هذه الصلاة يكون مدخراً للصبي ، وأما ولي أمره فيثاب لأنه امتثل أمر الشرع بأمره بالصلاة لكن ثواب الأعمال لأصحابها لقوله تعالى:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ }الجاثية15
ولو أن الصبي المميز في أثناء الصلاة بلغ كأن تتم له خمس عشرة سنة في هذا الوقت كما لو حسب من أول ولادته بالساعة ، فهو الآن بلغ في هذه الصلاة حكم ببلوغه
فالصحيح من قولي العلماء / أن صلاته مجزئة عن الفرض ولا يلزمه قضاء هذه الصلاة.
وكذلك الحكم لو فرغ من الصلاة قبل خروج وقتها أما لو أنه صلى ثم بعد خروج الوقت بلغ ، لو صلى مثلاً صلاة الظهر وخرج وقت الظهر فبلغ فلا يلزم بإعادة صلاة الظهر - وأظنه قولاً واحداً -
وذلك لأنه لما دخل في هذه الصلاة دخل بأمر الشرع فلا نبطل عبادته ، ومثل هذا يقع في عصر النبي عليه الصلاة والسلام وفي عصر الصحابة ولم ينقل أنهم يأمرون صبيانهم إذا بلغوا في الوقت أوفي أثناء الصلاة أن يعيدوا الصلاة .
والصوم مثله على القول الصحيح "
فلو كان الصبي يؤمر بالصوم فصام نفلاً وفي أثناء اليوم بلغ .هل يقال له: يلزمك لأنك بلغت في هذا اليوم يلزمك القضاء لأنك أصبحت مكلفاً .قولان والصحيح أنه لا يلزمه شيء
( مسألة )
[ النائم يقضي الصلاة بالسنة القولية والفعلية ]
( الشرح )
الفعلية / ما ثبت في الصحيحين من فعله عليه الصلاة والسلام فإنه :
( لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس قضاها )
ولما جاء في الصحيحين :
(من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها )
فلا تسقط عن النائم .
( مسألة )
[ الصحيح أن المغمى عليه لا يقضي ما فاته من الصلاة ولا يقاس على النائم . لأنه لو أوقظ أستيقظ بخلاف المغمى عليه ]
( الشرح )
المغمى عليه قد تمر عليه أيام وهو في غيبوبة كما يحصل في هذا العصر تحصل غيبوبة لبعض الناس فتمر عليه أيام .
فبعض العلماء يقول / إن كانت قليلة ، كصلاة أو صلاتين أو ثلاث أو أربع فيصليها .
ولكن الصحيح / أنه في حكم المجنون ،
وقد قال عليه الصلاة والسلام :
( رفع القلم عن ثلاثة )
ذكر منهم :
( المجنون حتى يفيق )
ومن ثم لا يلزم بشيء لأنه غير مكلف فالمغمى عليه ومن في غيبوبة يأخذ هذا الحكم ، ولا يقاس على النائم .
نحن ألزمنا النائم بالقضاء ، لكننا لا نلزم المغمى عليه لأن هناك فرقاً بين المغمى عليه وبين النائم ، فإن النائم إذا أيقظته استيقظ .أما المغمى عليه لو أيقظته لما استيقظ .
( مسألة )
[ من زال عقله باختياره يقضي ]
( الشرح )
إنسان زال عقله باختياره ، كمن تقدم لتُجرى له عملية فبُنِج فمرت عليه صلوات ، فإنه يقضي هذه الصلوات . فمتى ما زال عقله باختياره فيجب عليه القضاء .
( مسألة )
[ يحرم تأخيرها عن وقتها المختار سواء أخرها كلها أو أخر بعضها ، كأن تكون بعض الركعات في الوقت وبعضها خارج الوقت ]
( الشرح )
كما أسلفنا لا يجوز أن تؤخر الصلاة بأي حال من الأحوال لقوله تعالى :
{ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء103
ولا تؤخر الصلاة عن وقتها المختار ، ولا تؤخر الصلاة لأي عذر من الأعذار بل يجب أن تؤدى في وقتها .
فلا يجوز تأخيرها عن وقتها المختار لأن بعض الصلوات لها وقت اختياري ووقت اضطراري .
والصحيح كما سيأتي أنه ليس هناك لصلاة وقت اختياري واضطراري إلا العصر .
فـوقت العصر الاختياري إلى اصفرار الشمس ، ووقتها الاضطراري من اصفرار الشمس إلى الغروب .
فمعنى ذلك أن الإنسان لا يجوز له مهما كانت الأعذار أن يؤخر صلاة العصر إلى ما بعد الاصفرار ، لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
( صلاة العصر ما لم تصفر الشمس )
و أما حديث :
( من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك )
فهذا هو الوقت الاضطراري
ما معنى الوقت الاضطراري؟
كأن " تطهر الحائض بعد اصفرار الشمس .، كأن يُسلِم الكافر ، كأن يفيق المجنون ، كأن يجرح الإنسان جرح بليغا تنزف معه الدماء فيضطر إلى أن يضمد جروحه حتى لا يهلك "
فهنا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها الاختياري إلى وقتها الاضطراري .
فإذاً / لا يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها الاختياري . والتأخير محرم سواءً أخرها كلها أو أخر بعضها . ومثاله / لو أنه أخر صلاة العصر إلى قبل الغروب فهنا أوقع الصلاة خارج وقتها الاختياري .
مثال تأخير بعضها/ أن يشرع في الصلاة قبل اصفرار الشمس فتقع مثلاً ركعتان قبل اصفرار الشمس وركعتان بعد اصفرار الشمس فلابد أن تقع جميع الركعات في الوقت .
( مسألة )
[ من خشي خروج الوقت فيصلي على حسب حاله . ويستثنى على الراجح من استيقظ من النوم قبل خروج الوقت بيسير ، هل يتيمم أم يشتغل بالوضوء ولو خرج الوقت ؟
الثاني الراجح ، لأن وقت هذا النائم يبدأ من حين استيقاظه .ويستثنى في جواز تأخيرها شدة الخوف بحيث لا يتمكن من الصلاة بوجه من الوجوه لا بقلبه ولا بجوارحه على القول الراجح ]
( الشرح )
كما أسلفنا لا يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها ، بل يصلي على حسب حاله .
لكن هناك حالة / وهي " لو أن الإنسان كان نائماً فلم يستيقظ إلا قبل غروب الشمس بيسير فإن تيمم صلى صلاة العصر في وقتها وإن توضأ لم يتمكن من أداء الصلاة في وقتها وإنما يكون أدائه لها بعد غروب الشمس فهل يتيمم ويصلي في الوقت أم يشتغل بالوضوء ويصلي ولو خرج الوقت " ؟
قولان ؟ الجمهور - وهو الراجح - و هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله على أنه " يشتغل بالوضوء "
وذلك لأن وقت هذا النائم من حين استيقاظه، فليس كاليقظان فهذا نائم ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )
فدل على أن وقت النائم يكون من حين استيقاظه . وقلنا لكم إنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا في حالة واحدة من الحالات وهي فيما لو كان الإنسان في خوف ، إن كان خائفاً فيجب أن يصلي على حسب حاله ، لكن إن اشتد الخوف فلم يتمكن من الصلاة لا بقلبه ولا بجوارحه كأن تكون القذائف تأتيه يمنة ويسرة ليس هناك مجال أن يصلي حتى بقلبه . فقولان لأهل العلم /
بعضهم يقول لا يؤخرها .
وبعضهم يقول يؤخرها / والراجح أنه يؤخرها :
( لأن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا تستر عام سبعة عشر للهجرة واشتد معهم القتال . أخروا صلاة الفجر إلى الضحى )
( مسألة )
[ من جحد وجوبها كفر و لو صلى وكذا من جحد ركناً مُجمع عليه ، ما لم يكن حديث عهد بكفر ، ومن اعتقد وجوبها وتركها تهاونا ًوكسلاً الراجح أنه يكفر .وأما إن صلى فروضاً وترك فرضاً فكذلك في الأظهر . قال العلماء ينبغي إشاعة من لا يصلي حتى ينزجر هو وغيره . وتوبته كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: أن يصلي ، وهل يستتاب أم لا؟
الأرجح أن هذا راجع إلى اجتهاد الإمام ]
( الشرح )
من جحد وجوب الصلاة فقد كفر ولو صلى حتى لو أقام الصلاة ، وقال : " إن الصلاة أؤديها على أنها نافلة ليست فرضا " فقد كفر ، لأنه كذَّب الله عز وجل الذي فرضها في كتابه وكذب النبي صلى الله عليه وسلم الذي فرضها في سنته وكذب إجماع الأمة .
أما إذا تركها ليس جحداً لوجوبها هو يقر بأنها واجبة لكنه تركها تهاوناً وكسلاً كما هو شأن الكثير في هذا العصر ، فقولان لأهل العلم ، هل يكفر أولا يكفر ؟
الصحيح / أنه يكفر لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم:
( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )
وقال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي :
( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )
وكذلك من جحد ركناً من أركانها "
مثل / " الركوع " ركن مجمع عليه .
مثل/ " السجود " ركن مجمع عليه ، فلو أنه أنكر وجوب السجود ، قال : أسجد في الصلاة لكن ليس بواجب فماذا يقال في شأنه؟
كافر، حتى لو صلى وسجد وركع ، لأنه كذَّب إجماع الأمة.
لكن لو أن المتهاون يصلي أحياناً ويترك أحياناً ؟ فقولان لأهل العلم ، والذي يظهر أنه يكفر لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري :
( من ترك صلاة العصر متعمداً فقد حبط عمله )
والذي يحبط عمله هو الكافر .
وبعض العلماء يرى أنه لا يكفر .
وتاركها ينبغي أن يشاع أمره بين الناس حتى ينزجر هو و غيره .
ولو قال أتوب ، نقول له صل فإذا صليت فهذه هي توبتك ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله لكنه إن لم يصل فالواجب على ولي أمر المسلمين أن يقتله مرتداً عن الدين على القول الراجح .
ولكن هل يستتاب ؟
بمعنى إذا ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً ، هل يقال له يا فلان صلي ويمهل أياماً . أو أنه من حين ما يترك الصلاة لا يمهل إنما يقتل ؟خلاف بين العلماء . والذي يظهر أنه يرجع إلى اجتهاد الإمام لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند البخاري :
( من بدل دينه فاقتلوه )
ولم يقل من بدل دينه فاستتيبوه .
لكن ورد عن عمر الاستتابة ، وفيها نظر في السند بعض العلماء يضعف هذا الأثر .
فالذي يظهر أن هذا يرجع إلى ما يراه الإمام ، إن شاء أن يستتبه ويمهله وأن شاء لم يستتبه وقتله .
0