آدم آدم

0

1,371

تفسير سورة الفاتحة (6 ) : الشيخ زيد البحري

تفسير

تفسير سورة الفاتحة (6 )

عظم سورة الفاتحة

كيف يكون التفضيل بين الآيات والسور ؟

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــ

يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما صح عنه في سنن الترمذي قال عن فاتحة الكتاب :

قال عليه الصلاة والسلام : (( ما أنزل الله في الإنجيل ولا في التوراة ولا في القرآن مثلها ))

وهذا يدل على عظم هذه السورة


ويدل على أن تخصيصه في هذا الحديث بالذكر في هذا الحديث للإنجيل

والتوراة

والقرآن

يدل على أن هذه الكتب الثلاثة هي أفضل الكتب التي أنزلت على الرسل عليهم الصلاة والسلام

ومما يدل على ذلك نصوص كثيرة :

من بينها قول الله تعالى :


((إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ))

وقال عز وجل عن التوراة والقرآن كما في سورة القصص :


{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } القصص49


والنبي عليه الصلاة والسلام في دعائه عند النوم


وهذا مما يسن للمسلم إذا أتى إلى فراشه أن يقول هذا الذكر


جاء في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام : (( كان يقول عند النوم : [ اللهم ربنا ورب كل شيء رب السموات السبع منزل التوراة والإنجيل والقرآن ]

انظروا ذكر هذه الكتب الثلاثة :


التوراة


والإنجيل

والقرآن

((منزل التوراة والإنجيل والقرآن فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر ))

فموضع الشاهد من ذلك :


أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر هذه الكتب الثلاثة وهذا يدل على أفضليتها على سائر الكتب


لكن لتعلم أن فضل هذه الكتب ما عدا القرآن وهي التوراة والإنجيل إنما كان قبل نزول القرآن ، أما بعد نزول القرآن فإن هذه الكتب قد هيمن عليها القرآن ونسخها


وما جاء في كتاب الله من بيان أن التوراة هدى وضياء إنما كان ذلك قبل نزول القرآن


حتى لا يتذرع متذرع ولا يحتج محتج ممن صرف الله قلبه عن الخير فيقول بوحدة الأديان :


لماذا لا توحد الأديان في هذا الزمن ؟


لماذا لا نقارب بين الأديان ؟


والجواب عن ذلك :

أن هذه الدعوة كفرية الدعوة إلى توحيد الأديان كفرية


لم ؟


لأن الله يقول :


{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران85


والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم : ((من قال : لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله .... )) الحديث

فيجب أن تكفر بجميع الأديان الموجودة في هذا العصر


وأنه لا دين صحيح ولا دين يعمل به ولا دين يتبع إلا هذا الإسلام


فمثلا قوله تعالى :


((وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ{3} مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ ))


فوصف هذين الكتابين بأنهما هدى للناس


متى هذا ؟


قبل نزول القرآن


أما بعد نزول القرآن فليست بهدى


ولذا قال تعالى :


{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }القصص43


{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } السجدة23


وجعلناه : يعني هذا الكتاب الذي هو التوراة


ولذا :


بنو إسرائيل لو زعمت أنها اتبعت التوراة فإن هذا الزعم باطل و لا يقبل في شرع الله


ولذا :


النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رقعة من التوراة في عصره عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام : (( أمتهوكون أنتم والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية والله لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ))

ولذا :


المسيح ابن مريم حي كما قرأنا هذه الليلة : ((إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ))

ومعنى : متوفيك يعني : قابضك


وقيل: إن الوفاة هنا هي النوم


وليس المعنى في قوله ((مُتَوَفِّيكَ )) أنها الوفاة الكبرى ، كلا


لم ؟


لأنه حي في السماء


ولذا :


إذا خرج المسيح الدجال يخرج عيسى عليه الصلاة والسلام


فماذا يصنع عيسى عليه السلام ؟


يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم


ولذا :


جاء في الحديث : (( ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ))

لماذا يكسر الصليب ؟


ردا لدعوى النصارى من تعظيم هذا الصليب وأنه لا تعظيم له وإنما التعظيم يكون لدين محمد صلى الله عليه وسلم


ولذا : لا يقبل الجزية لا يقبل إلا الإسلام


فليتنبه إلى هذا الأمر


وذلك أن البعض قد يسمع عبر وسائل الإعلام عن بعض المؤتمرات التي تدعو إلى استقطاب بعض المنتسبين للأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية ويقولون : نريد أن نقرب بين الأديان ونقرب بين الأفكار حتى نكون في سلام ووئام


وهذا لا يجوز في شرع الله : ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ))


فقوله عليه الصلاة والسلام :

(( ما أنزل الله في الإنجيل ولا في التوراة ولا في القرآن مثلها ))

دل على أن بعض الكتب أفضل من بعض


وهذا يجرنا الى مسألة :


وهي مسألة ما تسمى بتفضيل بعض السور على بعض أو بتفضيل بعض الآيات على بعض


هل هناك آيات أفضل من آيات ؟


أو أن هناك سورا أفضل من سور ؟


اختلف العلماء في ذلك على قولين :

بعض العلماء يقول :

إنه لا تفاضل بين سور وآيات القرآن


لم ؟


قالوا : لأن المتكلم هو الله


وقال بعض العلماء - وهو القول الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام قال : إن كلام الله ليس بعضه أفضل من بعض من حيث إن المتكلم هو الله


بهذا الاعتبار لا تفضيل
أما الآيات والسور من كلام الله جل وعلا في هذا الكتاب العظيم فإن الفضل يكون في بعض السور وفي بعض الآيات دون بعض السور ودون بعض الآيات


ومما يدل على ذلك :

ما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلى في صحيح البخاري :


أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ))

فقال عليه الصلاة والسلام : (( الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ))

دل على أن بعض السور أفضل من بعض


أما تفضيل بعض الآيات على بعض :


ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم :


أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأبي بن كعب : أي آية معك في كتاب الله أعظم ؟


فقال أبي : ((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .... )) آية الكرسي


فقال عليه الصلاة والسلام لما ضرب على صدره قال : (( ليهنك العلم أبا المنذر )) أي لتكن هنيئا بهذا العلم فقد وفقت إلى الإجابة الصحيحة

فدل هذان الحديث وغيرهما :


كقوله عليه الصلاة والسلام للصحابة ذات يوم :

(( اجتمعوا فسأقرأ عليكم ثلث القرآن )) فاجتمعوا يظنون أنه عليه الصلاة والسلام سيقرأ عليهم ثلث القرآن فقرأ : ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} ))

فقال : هذه تعدل ثلث القرآن ))

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي أن سورة : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} )) تعدل ربع القرآن


فدل هذا على أن بعض القرآن أفضل من بعض من حيث ما وضعه جل وعلا في هذه السورة من المعاني العظيمة


ومن حيث ما جعله جل وعلا في آية الكرسي من المعاني العظيمة ومن ذكر التوحيد ومن ذكر أسمائه وصفاته جل وعلا


فامتازت آية الكرسي بهذا الاعتبار


فهناك آيات تفضل بعض وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام


وسورة الفاتحة نزلت في مكة

والدليل أن الله قال : (({وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } الحجر87


هذه الآية في سورة الحجر وسورة الحجر مكية


فدل على أن سورة الفاتحة إنما نزلت في مكة


بعض العلماء يقول :


إنها نزلت في المدينة


ودليلهم :


ما جاء في صحيح مسلم :


أن جبريل كان عند النبي عليه الصلاة والسلام فسمع نقيضا يعني : صوتتا فقال : (( هذا ملك نزل لم ينزل من قبل قط فقال : (( يا محمد أبشر بنورين أوتيتهما : فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ))

وهذه القصة وهذه الحادثة إنما هي في المدينة


ومن ثم نشأ قول ثالث:


وهو أن هذه السورة نزلت مرتين :


مرة في مكة


ومرة في المدينة


ولكن الصحيح :


أنها نزلت في مكة لقوله تعالى : (({وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }الحجر87


ولو سألتكم الصلاة :


أين فرضت فرضت في مكة أم في المدينة ؟


فرضت في مكة قبل الهجرة ولا صلاة بغير الفاتحة لقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ))

أما هذا الحديث الذي فيه قول الملك :

((أبشر بنورين أوتيتهما : فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ))

فإن توجيهه يكون كالتالي :


أن هذا الملك نزل ببيان فضلها ومكانتها وقدرها


فالنزول هنا نزول لبيان فضل وقدر ومكانة سورة الفاتحة


أما سورة الفاتحة فإنما نزلت في مكة


ولو قال قائل :


هل قول : بسم الله الرحمن الرحيم آية أم غير آية من سورة الفاتحة ؟

الحديث عن هذا يطول بعض الشيء فلنرجئه للدرس القادم والله أعلم وأحكم





التعليقات (0)