الكذاب كالسراب
يتساءل الناس لماذا زاد الإنفاق في هذا الزمان على الحرام؟ جُلّ أموال الناس يشترون بها المُسكرات والمُخَدرات وهل هناك مالُ حلالُ يشترى به صاحبه أي صنفٍ من المُخَدرات أو من المسكرات؟ لا والله لقد قال الحكماء (من جمع مالاً من حرام سلَّطه الله على إنفاقه في الذنوب والآثام)
ولذلك ولّى هارون الرشيد أخاه محتسباً على السوق - والمحتسب يواكب ما يُسمّى مفتش التموين الآن - وتركه سنة ثم استدعاه وسأله: كم محضراً حررته؟ وكم قضية قدمتها؟ وكم تاجراً عنّفته؟ قال: لا أحد قال: ولِمَ؟ وكان أخوه من الصالحين قال: يا أمير المؤمنين رأيت الله يقتّص من الظالمين أولاً بأول فكل مالٍ جمعوه من حرام سلّطهم الله على إنفاقه في الذنوب والآثام
يُنفقه في المُخَدرات ينفقه في الخَمر والمُسكرات ينفقه على الغَانِيات ينفقه على ما لا يعود عليه ولا على أهله بفائدة في الدنيا ويعود عليه بأوزارٍ ثقالٍ يوم يلقى الله أما المال الحلال فإنه يُنوِّر القلب فيجعله يستجيب لله ولكتاب الله، ولرسول الله وللعلماء الذين يُذكِّرون بالله
وتستجيب الأعضاء له إذا حثَّهم على طاعة الله وتجمد وتتجمَّد ولا تستجيب إذا أمرتهم النفس بمعصية الله وتجعله يتحرَّى الإنفاق فلا يُنفق قرشاً إلا فيما يُرضي الله ولا يضع المال إلا في موضعٍ أباحه شرع الله ويكون الأولاد بررة وكراماً بوالديهم فلا يستطيع أحدهم أن يرفع وجهه ولا عينه في وجه أبيه حياءاً ولا يستطيع أن يؤخر له أمراً أو يرفض له طلباً لأن المال الحلال يجعله هيّناً ليّناً في برّ أبويه
أعز شيءٍ في هذا العصر الدرهم الحلال
{ َيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنْ ثَلاثٍ: دِرْهَمٌ حَلالٌ أَوْ أَخٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ أَوْ سَنَةٌ يُعْمَلُ بِهَا}[1]
درهم حلال أو أخٌ صالحٌ يخاللني لله ويُصادقني لله لا لحاجة ولا لمنفعة ولا لدنيا زائلة ولا لرغبة فانية وإنما كما قال الله في كتاب الله {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }الزخرف67
من هو الأخ الذي أمرني الدين والشرع أن أأنس إليه؟ قال فيه الله في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119
لا تصاحب الكذاب أبداً فقد قيل (إن الكذاب كالسراب) أي كالسراب الذي يظهر في ضوء الشمس وتراه ماءاً فإذا ذهبت إليه لم تجد فيه شيئاً ولا عنده شيئاً وقد قال الإمام عليٌ لبنيه (يا بني لا تصاحب الكذاب فإنه كالسراب وإنه يُقرّب إليك البعيد ويُبعد عنك القريب)
وقال الإمام عمر رضي الله عنه وأرضاه (لا تصاحب إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله) لأن الذي يخشى الله لن يغشك في أمر أو يخونك في قضية أو يستغلك لأمور دنيوية أو يجعلك وسيلة للحصول على الدنيا الدنية وإنما يكون لك أخاً في الدنيا ويكون لك صديقاً وفياً في الدار الآخرة يأخذ بيدك وتأخذ بيده وتدخلا معاً جنة الله
إن هذه الأُخوة التي كان عليها الأولون من سلفنا الصالح من الأنصار والمهاجرين وهي التي يقول فيها نبيكم الكريم صلي الله عليه وسلم {إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }}[2]
[1] سنن الطبراني عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
[2] سنن أبي داود والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...1&id=94&cat=15
منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]
اضغط هنا لتحميل الكتاب المنقول منه الموضوع مجاناً
0