علياء رحال

0

1,498

لذة الخشوع والحضور

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا زكت النفس ذاقت حلاوة الإيمان وحضرها الخشوع والحضور بين يدي الله عند طاعة الرحمن فتجد للعبادة لذة وأنساً وتجد لتلاوة كتاب الله طعماً لا يستطيع إنسان أن يصفه أو يُكيفه لأنه طعم إلهي يحتاج إلى نور رباني ليُدرك الإنسان به مأدبة القرآن التي يقول فيها النبي العدنان {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ }[1]

فإن المؤمنين لهم سيما في أخلاقهم ليسوا كباقي البشر ولهم طباع اهتدوا فيها بنبيهم لا يتساوون بها مع سائر الناس لا يجهلون مع الجهلاء ولا يسبون أو يشتمون مع الأشقياء بل المؤمنون على هَدْى النبي الكريم في أخلاقه وفي خُلُقه لأنهم يريدوا أن يكونوا من الفائزين يوم القيامة

ومن أراد ذلك يريد أن يُثقل ميزان حسناته عند الله وما الذي يُثقل الميزان؟ يقول في ذلك النبي صلي الله عليه وسلم {مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ }[2]
إذا كان الخُلُق طيباً مع خلق الله إن كان في بيته أو كان في عمله أو كان في المسجد أو كان في الشارع أو كان في أي موضع من أرض الله


يُعرف المؤمن دائماً بالهَدْى الكريم والخُلُق القويم الذي جاء به النبي الرءوف الرحيم والذي قال فيه:
{إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ}[3] فكان صلي الله عليه وسلم يراقب ذلك مراقبة شديدة للنساء والصبيان والرجال


فهذه زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها تجلس بالقرب منه وقد جاء نفر من اليهود ومن لؤمهم وغدرهم قالوا له: السَّامُ عَلَيْكُمْ فقَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم {مَهْلا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ }[4]
فنهاها عن فحش الكلام لأن الله يبغض الفاحشين والمتفحشين حتى ولو كانوا هم البادئين لأن الله قال له {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف199


وهذا سيدنا أبو بكر الصديق أباها رضي الله عنه يخرج مع النبي متجهين إلى مكة عام الحديبية ويجعل طعامه وطعام النبي على ظهر جمل ويأمر غلاماً من غلمانه أن يمسك بالجمل ويصحبه وليس له شأن إلا أمر هذا الجمل وبعد هنيهة سأل عن الغلام فأخبره أن الجمل قد ضاع منه فلعنه وإذا به يرى أمامه النبي صلي الله عليه وسلم يقول له {يَا أَبَا بَكْرٍ أَصِدِّيقِينَ وَلَعَّانِينَ؟ كَلا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ }[5]

من أراد أن يكون من الصديقين فلا يلعن أي شيء في عالم رب العالمين لأنه مُجمَّل بأخلاق سيد الأولين والآخرين صلي الله عليه وسلم

وهذه امرأة من نساءه تركب جملاً فيتشامس ويمشي مسرعاً وتحاول أن تُهدئه فلا يهدأ فلعنته تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ابْتَعْتُ بَعِيرًا فَلَعَنْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم {إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَكُونُ لَعَّانًا، وَلا فَحَّاشًا، وَلا كَذَّابًا }[6]

ويُنبه أصحابه على الأخلاق العظيمة تقول السيدة عائشة ذات يوم وهو يمدح السيدة صفية ويقول: إنها من ذرية موسى وهارون عليهما السلام فتقول {قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ }[7]

مع أنها كانت قصيرة لكن النبي صلي الله عليه وسلم أصلح ألسنتهم وقَوَّم أخلاقهم بعد أن كانوا أهل جفاء وأهل جاهلية وصاروا القدوة والمثل الأعظم بين جميع البشرية في الأخلاق الطيبة والنقية وعلَّى هممهم

فمن أراد أن يكون رفيقاً للمصطفى يوم الدين وأن يكون بجواره في الموقف العظيم، وأن يكون ساكناً بجواره في جنة النعيم ماذا يصنع لينال ذلك؟ قال صلوات ربي وتسليماته عليه {إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ }[8]


[1] الحاكم في المستدرك وسنن البيهقي عن عبد الله بن مسعود [2] سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد عن عويمر بن مالك [3] الحاكم في المستدرك وسنن البيهقي ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة [4] الصحيحين البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد [5] شعب الإيمان للبيهقي والدعاء للطبراني عن عائشة رضي الله عنها [6] معجم أسامي شيوخ أبي بكر [7] سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد وصححه الألباني والأرنؤوط [8] سنن الطبراني والبيهقي عن جابر بن عبد الله وصححه الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة


http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...1&id=94&cat=15

منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]

اضغط هنا لتحميل الكتاب المنقول منه الموضوع مجاناً



التعليقات (0)