أنواع الحقوق التي راعاها القرآن الكريم
أنواع الحقوق التي راعاها القرآن الكريم :
- أحكام تكفل إيجادها وتكوينها .
بالنسبة للحقوق المذكورة لهم في القرآن الكريم ، وتبعاً لكثرة تلك الأصناف ، فقد تعددت أنواع الحقوق التي راعاها القرآن لها ، ويمكن تقسيم هذه الأنواع بعدَّة اعتبارات على النحو الآتي :
التقسيم الأول: باعتبار غاياتها ومقاصدها وعلاقتها بحفظ الضرورات الخمس التي اجتمعت عليها جميع الشرائع والرسالات ، وهي حفظ "الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال"() ، وهي من الدين المشترك عند الأنبياء عليهم السلام .
وإذا تأملنا تلك الحقوق التي راعاها القرآن ، نجد أنها ترجع في نهايتها إلى تحقيق هذه الضرورات ، وقد شرع الإسلام لتحقيقها نوعين من الأحكام :
1
2- أحكام تكفل حفظها وصيانتها() .
ويتبين ذلك من خلال ذكر هذه الضرورات والتمثيل عليها من نصوص القرآن على النحو الآتي():
1) "الدين" : وقد شرع لإقامته العقائد والعبادات ، ومن حق الإنسان أن يتدين بالدين الحق الذي شرعه الله ، قال تعالى :] شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .. [() الآية.
كما شرع الله لحفظ الدين إقامة الجهاد ، لإزالة العقبات التي تحول بين الناس وبين دخولهم في الدين الحق قال تعالى :] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين
لله [() . وعندما يتحلل الناس من ضغط وتأثير الطواغيت عليهم ، عندها يكون "لا إكراه في الدين"() أي :[ لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ، ورضاه بحكم الإسلام ]() .
2) "النفس" : وقد شرع لإيجادها حق الإنسان في الزواج والتوالد :] فانكحوا ما طاب لكم من النساء .. [() ، وشرع لحفظها وإبقائها ؛ حق الإنسان في استعمال ما سخر له في الأرض من نعمة الطعام والشراب والسكن واللباس ونحوها كما قال تعالى :] يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً [()، ونحوها من الآيات ، كما حرم على الإنسان الإلقاء بنفسه إلى التهلكة :] ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [() .
3) "العقل" : وقد جاءت الآيات التي تدعو الإنسان للتكفر والتأمل والتدبر ، كقوله تعالى :] ويريكم آياته لعلكم تعقلون [() ، ] كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون [() ، فهذا من حق الإنسان أن يستخدم عقله فيما فيه مصلحة نفسه ، كما شرع لحفظ العقل مثلاً تحريم الخمر وعقوبة شاربها لإضراره بعقله ، قال تعالى
:] يسئلونك عن الخمر والمسير قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما [().
4) "النسل" : وقد شرع لإيجاده حق الإنسان في التزوج كما تقدم ، وشرع لحفظه عقوبة الزنى والقذف ، ويتحقق بذلك أيضاً حفظ "العرض" . قال تعالى :] الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [()، وقال :] والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ... [() الآية .
5) "المال" : وقد شرع لتحصيله حق الإنسان في السعي في الأرض والتعامل بأنواع المعاملات من بيع وشراء وشراكة ونحوها ، وشرع لحفظه تحريم أكل أموال الناس بالباطل، بالربا والرشوة والسرقة ونحوها . قال تعالى :] وأحل الله البيع وحرم الربا [()، وقال :] ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [()، وقال :] إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً [() .
- وهكذا سائر حقوق الناس ، إنما ترجع لحفظ ضرورة من هذه الضرورات التي اتفقت الشرائع عليها .
التقسيم الثاني : باعتبار من تجب له ، وفي نظري أنه يمكن تقسيم مجمل الحقوق التي راعاها القرآن ، إلى أنواع أخرى ، مع ضرورة استحضار وجوب تقييد جميع هذه الحقوق بضوابط الشريعة الإسلامية ، وسأشير إلى بعض الآيات التي يمكن الاستدلال بها لكل حق على النحو الآتي :
أولاً: حقوق شخصية (فردية) :
وأعني بها الحقوق الخاصة بكل فرد ، ويدخل فيها على سبيل المثال ما يلي :
1) حق الإنسان في الحياة : قال تعالى :] هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها [()، وقال :] إني جاعل في الأرض خليفة [() .
2) حقه في التدين وعبادة الله : قال تعالى :] وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [()، وقال :] وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استختلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم مناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً [().
3) حقه في التمتع بما سخر الله له في الأرض :] وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه [() .
4) حق التملك : وتدل عليه كثير من الألفاظ القرآنية ، التي تنسب أشياءً إلى الإنسان كلفظ "أموالكم" في قوله تعالى :] فلكم رؤوس أموالكم [()، وكلفظ "بيوتكم" في قوله تعالى :] أن تأكلوا من بيوتكم [()، إضافة إلى الآيات التي تدل على مشروعية وسائل التملك كالبيع والشراء والتجارة ونحوها ، ومنها قوله تعالى :] وأحل الله البيع [()، وقوله :] إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم [() .
5) حق التعلم : قال تعالى :] يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات [()، وقال :] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون [() .
6) حق التزوج والتناسل : قال تعالى :] فانكحوا ما طاب لكم من النساء [().
7) حق التنقل : قال تعالى :] وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه [() .
8) حق العمل والكسب المشروع : قال تعالى :] يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم [() .
9) حق التعبير عن الرأي : قال تعالى :] كنتم خير أمة أخرجت للناس بأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [() ، وقال تعالى :] وشاورهم في الأمر [()، وقال e :( الدين النصيحة ... )() الحديث .
وكل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبداء المشورة وإسداء النصيحة ، نوع من التعبير عن الرأي وحريته .
ثانياً: حقوق اجتماعية :
وأعني بها جملة الحقوق التي تجب على المجتمع لفئات معينة منه ، ويدخل ضمن ذلك ، ما تقدم من أصناف المسلمين الذين ذُكرت لهم بعض الحقوق في القرآن الكريم ، وسأعيد ذكر بعضهم ، دون إعادة الآيات التي تقدمت :
1) حقوق الوالدين . 2) حقوق الأولاد .
3) حقوق الزوجين . 4) حقوق ذوي القربى .
5) حقوق الفقراء والمساكين . 6) حقوق اليتامى .
7) حقوق الجيران . 8) حقوق الأصحاب .
ثالثاً: حقوق عامة :
وأعني بها الحقوق المشتركة بين أمم الأرض ، والتي ينبغي أن تسود العالم أجمع ، ويجب أن تراعيها كل أمة ، بأفرادها ومجتمعاتها وشعوبها ودولها ، مما يمليه منطق الفطرة والعقل السليم ، ومن أمثلتها:
1) العدل : قال تعالى :] وإذا قلتم فاعدلوا [()، وقال :] ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [() .
2) المساواة : وأعني به المساواة بين أفراد الأمة الواحدة في الحقوق والواجبات ، ولقد جاء القرآن بهذا المبدأ فجعل الناس متساوين في التكاليف والأحكام وفي المساءلة والعقاب ونحو ذلك()، ولم يجعل التفاضل بينهم إلا بالتقوى ] يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [()، فانتزع الإسلام جذور التعصب للون أو الجنس أو اللغة ونحوها ، وهذا لا يلغي التفاوت الذي يقره الإسلام بين الذكر والأنثى ، فلكل خصائصه وما يترتب عليها من واجبات وأحكام ، قال تعالى :] وليس الذكر كالأنثى [() .
3) الحرية : وهي تحرير الناس من عبودية بعضهم بعضاً ، ويكون ذلك بالإقرار بحق الله في الحكم وحده :] ألا له الخلق والأمر [() .
4) الأمن : قال تعالى :] ... ولأبدلنهم من بعد خوفهم أمناً [()، وقال :] فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته [() .
5) توفير مقومات الحياة الأساسية الأخرى : كالطعام والشراب والمسكن ونحوها، في مقابل محاربة الفقر أيضاً ، قال تعالى :] وكلوا واشربوا ولا تسرفوا [()، وقال :] والله جعل لكم من بيوتكم سكناً [() .
6) المحافظة على الفضيلة ومحاربة الفساد والرذيلة : قال تعالى :] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي [()، وقال :] خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلية [() وهذه الآية مما جمعت مكارم الأخلاق كما ذكر أهل التفسير() .
7) نشر العلم ومحاربة الجهل والتخلف : قال تعالى :] قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [()، وقال :] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون [() .
8) الحوار لبيان الحق والدعوة إليه(): قال تعالى :] ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [()، وقال :] وجادلهم بالتي هي أحسن [()، وقال :] يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا [() .
التقسيم الثالث : وهو باعتبار حقيقتها وواقعها العملي ، ويمكن تقسيمها إلى نوعين :
أولاً: حقوق معنوية : ويدخل ضمنها مما سبق ذكره على سبيل المثال ما يلي :
1) حق الحياة . 2) حق العبادة .
3) حق التعلم . 4) حق العدل .
5) حق الأمن .
- وقد تقدمت الآيات الدالة على هذه الحقوق .
ثانياً: حقوق مادية : ويدخل فيها على سبيل المثال ما يلي :
1) النفقة على الزوجة والولد : قال تعالى :] الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم [()، وقال :] لينفق ذو سعة من سعته [() .
2) الزكاة المفروضة : قال تعالى :] إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... [() الآية .
3) الكفارات : قال تعالى في كفارة اليمين :] فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ... [() الآية ، وقال في كفارة الظهار :] فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً [() .
4) المواريث : قال تعالى :] يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين .. [() الآيات ، إلى غير ذلك من الحقوق المادية ، مما تقدمت الإشارة إلى بعضه كمراعاة مال اليتيم وتحريم أكله ، وأداء الأمانات ونحوها .
- هذه بعض أنواع الحقوق وأقسامها ، وهي تدل على أن الإسلام قد راعى جميع الحقوق وبجميع الاعتبارات ، مما فيه صلاح الدين والدنيا ، وصدق الله إذ يقول :] ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [() .
0