قمر الزمان

0

1,162

لغة الخراف

منذ آلاف السنين، في مزرعة تغفو على سفح جبل الأحلام...
كان يعيش زوجين من الأغنام...

كان مولدهم في نفس اليوم، بل وفي نفس الساعة...
تآلف قلباهما منذ أن ابصروا النور...
رسموا قصة عشق لم تعرفها حياة البشر...


لعبوا... ضحكوا... تخاصموا وتصالحوا، حتى باتت قصة حبهما تروى على لسان كل
الأغنام.
لم يبقى في المروج نعجة إلا وحلمت أن تحظى بمن يهيم بها ويغمرها بمثل ذلك
الحب...
لم يبقى خروف إلا وتمنى أن يعيش قصة تشابه ولو نصف تلك القصة...
لكن القدر لم يرحم...
وكما كل قصص الحب، لابد لنهاية مفجعة...
كما قيس وليلى... وكما روميو وجولييت...
كما في كل الحكايا، كان هناك رجل شرير...
ولسوء حظهما - أو لكي يجعل القدر قصتهما مأساوية - كان صاحب الخروف هو
الرجل
الشرير.
وهنا بدأت رحلتهما تأخذ منحى تراجيدي...
هنا حين جلس الشرير يطمح (أو يطمع) أن يزيد من ثروته الكبيرة
لم يكن بحاجة لبضع الدراهم التي جناها من بيع الخروف لتاجر اللحوم ذو
الأسنان
السوداء
لم يفكر ولو للحظة بما قد يخلف قراره هذا من طعنات في قلب المسكينة
أعمى الطمع قلبه... نعم باع الخروف لذلك التاجر الذي اقتاده إلى جهة
مجهولة
وقفت المفجوعة تذرف دما على فراق الحبيب...
تنشد القصائد الحزينة وتقف كل يوم على أطلال الحبيب الغائب إلى غير
رجعة...
لم تعد تأكل العشب...
ولم تعد تشرب حتى الماء...
ما عادت تشارك اترابها اللعب وهي التي كانت من أكثر النعاج مرحا...
بدأ جسمها بالنحول...
لم يعلم بخبر البيع أحد من خراف القرية...
حاروا بسبب الفراق...
قالت إحداهن: هذا صنف الخراف، لا يؤمن لهم جانب، أنا متأكدة أنه قد رأى
نعجة
أخرى أعجبته فخانها وذهب مع الأخرى.
قال أحدهم: أنا متأكد أنها قد قامت بعمل لا يغتفر فهجرها.
وقالوا... وقالوا... وقالوا، والمسكينة تسمع فتزيد جراحها جراح...
وحين لم تعد تقوى على المسير أو حتى الوقوف، إلتزمت الحضيرة لا تغادرها...
قرر جمع من أصدقائها أن يعودوها ويستفسروا منها لعلهم يقفوا على سبب كل ما
جرى.
وبالفعل، ذهبوا إليها بباقة من العشب الأخضر، وبعد التقبيل ومحاولة
المواساة،
سألتها أقرب صديقاتها عن سبب الخلاف والحزن الذي يكاد يأكل قلبها.
لم تقوى المسكينة على الإجابة...
حاولت أن تشرح المأساة كلها، فما خرجت من فمها سوى كلمة واحدة.... إنباع
(تقصد
لقد باعوه)
ثم اسلمت الروح لباريها.
ترددت آخر كلمة قالتها قتيلة العشق على لسان كل الخراف...
صاروا يحيون بعضهم البعض بهذه الكلمة...
صاروا ينادون بعضهم البعض بهذه الكلمة...
حتى نسوا لغتهم، ومحيت من ذاكراتهم كل الكلمات وكل أحرف أبجدية الخراف...
ومن يومها صار معشر الخراف يرددون في كل مناسبة: إنباع... إنباع
ولم يعلموا الأجيال اللاحقة (من نراهم الآن) إلا هذه الكلمة...
إنباع... إنبا ااااا ع... إنباع.

التعليقات (0)