أبو الحارث

22

1,285

شروط الصلاة

الشرط لغة: العلامة، وشرعا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، وشروط الصلاة ما تتوقف صحتها عليها مع الإمكان. وللصلاة شرائط لا تصح إلا بها، إذا عدمت أو بعضها؛ لم تصح الصلاة، ومنها:

أولا: دخول وقتها:
قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أي: مفروضا في أوقات محددة، فالتوقيت هو التحديد، وقد وقت الله الصلاة؛ بمعنى أنه سبحانه حدد لها وقتا من الزمان، وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا مخصوصة محدودة لا تجزئ قبلها. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به ". فالصلاة تجب بدخول وقتها؛ لقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وقد أجمع العلماء على فضيلة الإتيان بالصلاة في أول وقتها في الجملة؛ لهذه الآية، ولقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}وقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} وفي " الصحيحين " أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: (الصلاة على وقتها) وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها. والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، لكل صلاة منها وقت مناسب اختاره الله لها، يتناسب مع أحوال العباد، بحيث يؤدون هذه الصلوات في هذه الأوقات، ولا تحبسهم عن أعمالهم الأخرى، بل تعينهم عليها، وتكفر عنهم خطاياهم التي يصيبونها؛ فقد شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالنهر الجاري، الذي يغتسل منه الإنسان خمس مرات، فلا يبقى من درنه شيء. وهذه المواقيت كما يلي:

1 - صلاة الظهر: ويبدأ وقتها بزوال الشمس؛ أي: ميلها إلى المغرب عن خط المسامتة، وهو الدلوك المذكور في قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ويعرف الزوال بحدوث الظل في جانب المشرق بعد انعدامه من جانب المغرب، ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشيء مثله في الطول، ثم ينتهي بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله) رواه مسلم. ويستحب تعجيلها في أول الوقت؛ إلا في شدة الحر؛ فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر الحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر، فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)

2- صلاة العصر: يبدأ وقتها من نهاية وقت الظهر، أي: من مصير ظل كل شيء مثله، ويمتد إلى اصفرار الشمس على الصحيح من قولي العلماء. ويسن تعجيلها في أول الوقت، وهي الصلاة الوسطى التي نص الله عليها لفضلها، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقد ثبت في الأحاديث أنها صلاة العصر.

3- وصلاة المغرب: يبدأ وقتها بغروب الشمس؛ أي: غروب قرصها جميعه؛ بحيث لا يرى منه شيء؛ لا من سهل ولا من جبل، ويعرف غروب الشمس أيضا بإقبال ظلمة الليل من المشرق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا؛ فقد أفطر الصائم) ثم يمتد وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر، والشفق: بياض تخالطه حمرة، ثم تذهب الحمرة ويبقى بياض خالص ثم يغيب، فيستدل بغيبوبة البياض على مغيب الحمرة. ويسن تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها؛ لما روى الترمذي وصححه عن سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم(كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب) قال: وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.

4- وصلاة العشاء: يبدأ وقتها بانتهاء وقت المغرب؛ أي: بمغيب الشفق الأحمر، ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني، وينقسم إلى قسمين: وقت اختيار يمتد إلى ثلث الليل، ووقت اضطرار من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني. وتأخير الصلاة إلى آخر الوقت المختار - إلى ثلث الليل - أفضل إن سهل، فإن شق على المأمومين؛ فالمستحب تعجيلها في أول وقتها؛ دفعا للمشقة. ويكره النوم قبل صلاة العشاء؛ لئلا يستغرق النائم فتفوته، ويكره الحديث بعدها، وهو التحادث مع الناس؛ لأن ذلك يمنعه من المبادرة بالنوم حتى يستيقظ مبكرا؛ فينبغي النوم بعد صلاة العشاء مباشرة، ليقوم في آخر الليل، فيتهجد، ويصلي الفجر بنشاط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها. وهذا إذا كان سهره بعد العشاء من غير فائدة، أما إذا كان لغرض صحيح وحاجة مفيدة؛ فلا بأس.

5- وصلاة الفجر يبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني، ويمتد إلى طلوع الشمس، ويستحب تعجيلها إذا تحقق طلوع الفجر.

هذه مواقيت الصلوات الخمسة التي فرضها الله فيها؛ فعليك بالتقيد بها؛ بحيث لا تصليها قبل وقتها، ولا تؤخرها عنه؛ فقد قال الله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أي: الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ} ومعنى أضاعوها: أخروها عن وقتها؛ فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها سماه الله ساهيا عنها ومضيعا لها، وتوعده بالويل والغي، وهو واد في جهنم، ومن نسيها أو نام عنها؛ تجب عليه المبادرة إلى فضائها؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فتجب المبادرة لقضاء الصلاة الفائتة على الفور، ولا ينتظر إلى دخول وقت الصلاة التي تشابهها كما يظن بعض العوام، ولا يؤخرها إلى خروج وقت النهي، بل يصليها في الحال...
ثانيا: ستر العورة

ومن شروط الصلاة ستر العورة وهي ما يجب تغطيته، ويقبح ظهوره، ويستحيى منه، قال الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي: عند كل صلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض - أي: بالغ - إلا بخمار) رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

قال ابن عبد البر: " أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا؛ فلا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة وبحضرة الناس " وفي الخلوة على الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال: (فإن استطعت أن لا يراها أحد؛ فلا يرينها) قال: فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال: (الله أحق أن يستحى منه)رواه أبو داود وغيره. وقد سمى الله كشف العورة فاحشة في قوله عن الكفار: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} وكانوا يطوفون بالبيت عراة، ويزعمون أن ذلك من الدين؛ فكشف العورة والنظر إليها يجر إلى شر خطير، ووسيلة إلى الوقوع في الفاحشة وهدم الأخلاق؛ كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة التي ضاعت كرامتها وهدمت أخلاقياتها؛ فانتشرت فيها الرذيلة، وعدمت فيها الفضيلة.

فستر العورة إبقاء على الفضيلة والأخلاق، ولهذا يحرص الشيطان على إغراء بني آدم بكشف عوراتهم، وقد حذرنا الله منه في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} فكشف العورات مكيدة شيطانية قد وقع فيها كثير من المجتمعات البشرية اليوم، وربما يسمون ذلك رقيا وتفننا؛ فتكونت نوادي العراة، وتفشى السفور في النساء، فعرضت أجسادها أمام الرجال؛ بلا حياء ولا خجل.

أيها المسلم ! إنه يجب ستر العورة بما لا يصف بشرتها، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} فمواراة العورة باللباس الساتر أمر مطلوب وواجب، وحد عورة الرجل الذكر من السرة إلى الركبة؛ لحديث علي رضي الله عنه: (لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت) رواه أبو داود وابن ماجه، وفي الحديث الآخر: (غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة)رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه، ومع هذا كله؛ نرى مع الأسف الشديد كثيرا من الرجال عندما يزاولون الألعاب يكشفون أفخاذهم ولا يغطون إلا العورة المغلظة، وهذه مخالفة صريحة لهذه النصوص؛ فالواجب عليهم التنبه لذلك، والتقيد بأحكام دينهم، وعدم الالتفات لما يخالفها.

والمرأة كلها عورة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والمرأة عورة) صححه الترمذي، ولحديث أم سلمة: أتصلي المرأة في درع وخمار وليست عليها إزار؟ قال: (إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها) رواه أبو داود، ولأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم؛ أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من عورتها مكشوف؛ لا تجوز صلاتها. هذه الأحاديث، مع قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية، وقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وقول عائشة: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بنا الرجال؛ سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا جاوزونا: كشفناه) هذه النصوص وما جاء بمعناها من الكتاب والسنة، وهي كثيرة شهيرة، تدل على أن المرأة كلها عورة أمام الرجال الأجانب، لا يجوز أن يظهر من بدنها شيء بحضرتهم في الصلاة وغيرها، أما إذا صلت في مكان خال من الرجال الأجانب؛ فإنها تكشف وجهها في الصلاة؛ فهو ليس بعورة في الصلاة، لكنه عورة عند الرجال غير المحارم؛ فلا يجوز نظرهم إليه.

وإنه لمن المؤسف المحزن ما وصل إليه كثير من نساء العصر المسلمات من تهتك وتساهل في الستر، وتسابق إلى إبراز مفاتنهن، واتخاذ اللباس الذي لا يستر؛ تقليدا لنساء الكفرة والمرتدين؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إن الله تعالى قد أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة، وهو أخذ الزينة؛ فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}فأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة فقط، مما يدل على أن المسلم ينبغي له أن يلبس أحسن ثيابه وأجملها في الصلاة للوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، فيكون المصلي في هذا الموقف على أكمل هيئة ظاهرا وباطنا...
ثالثا: اجتناب النجاسة

ومما يشترط للصلاة اجتناب النجاسة؛ بأن يبتعد عنها المصلي، ويخلو منها تماما في بدنه وثوبه وبقعته التي يقف عليها للصلاة. والنجاسة قذر مخصوص يمنع جنسه الصلاة؛ كالميتة، والدم، والخمر، والبول، والغائط: لقوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال ابن سيرين: " اغسلها بالماء "، وقال صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه) وأمر صلى الله عليه وسلم المرأة أن تغسل ثوبها إذا أصابه دم الحيض وتصلي فيه،وأمر بدلك النعلين ثم الصلاة فيهما، وأمر بصب الماء على البول الذي حصل في المسجد... وغير ذلك من الأدلة الدالة على اجتناب النجاسة؛ فلا تصح صلاة مع وجود النجاسة في بدن المصلي أو ثوبه أو البقعة التي يصلي عليها، وكذلك إذا كان حاملا لشيء فيه نجاسة. ومن رأى عليه نجاسة بعد الصلاة ولا يدري متى حدثت؛ فصلاته صحيحة، وكذا لو كان عالما بها قبل الصلاة، لكن نسي أن يزيلها؛ فصلاته صحيحة على القول الراجح. وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وأمكنه إزالتها من غير عمل كثير؛ كخلع النعل والعمامة ونحوهما؛ أزالهما وبنى، وإن لم يتمكن من إزالتها؛ بطلت الصلاة.

ولا تصح الصلاة في المقبرة غير صلاة الجنازة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الخمسة إلا النسـائي، وصححه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) رواه الجماعة إلا البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: (فلا تتخذوا القبور مساجد) وليس العلة في النهي عن الصلاة في المقابر أو عندها خشية النجاسة، وإنما هي خشية تعظيمها واتخاذها أوثانا؛ فالعلة سد الذريعة عن عبادة المقبورين، وتستثنى صلاة الجنازة؛ فيجوز فعلها في المقبرة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يخصص النهي، وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه؛ لأن النهي يشمل المقبرة وفنائها الذي حولها.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المسجد المبني على القبر: لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإن كان المسجد قبل القبر؛ غير: إما بتسوية القبر، أو نبشه إن كان جديدا، وإن كان القبر قبل المسجد؛ فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر.

ولا تصح الصلاة في المسجد الذي قبلته إلى قبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور) ولا تصح الصلاة في الحشوش، وهي المراحيض المعدة لقضاء الحاجة؛ فيمنع من الصلاة في داخل الحش؛ لكونه معدا للنجاسة، ولأن الشارع منع من ذكر الله فيه؛ فالصلاة أولى بالمنع، ولأن الحشوش تحضرها الشياطين.

ولا تصح الصلاة في الحمام، وهو المحل المعد للاغتسال؛ لأنه محل كشف العورات، ومأوى الشياطين، والمنع يشمل كل ما يغلق عليه باب الحمام؛ فلا تجوز الصلاة فيه.

ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل، وهي المواطن التي تقيم فيها وتأوي إليها. قال الشيخ تقي الدين: " نهي عن الصلاة في أعطانها؛ لأنها مأوى الشياطين، وكما نهي عن الصلاة في الحمام؛ لأنه مأوى الشياطين؛ فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه ".

وتكره الصلاة في مكان فيه تصاوير قال الإمام ابن القيم: " وهو أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام؛ لأن كراهة الصلاة في الحمام: إما لكونه مظنة النجاسة، وإما لكونه بيت الشيطان، وهو الصحيح، وأما محل الصور؛ فمظنـة الشرك، وغالب شرك الأمم كان من جهـة الصور والقبور " ا هـ.

أيها المسلم! عليك بالعناية بصلاتك؛ فتطهر من النجاسة قبل دخولك فيها، وتجنب المواضع المنهي عن الصلاة فيها؛ لتكون صلاتك صحيحة على وفق ما شرعه الله، ولا تتهاون بشيء من أحكامها أو تتساهل فيه؛ فإن صلاتك عمود دينك، متى استقامت؛ استقام الدين، ومتى اختلت؛ اختل الدين... وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والاستقامة.
رابعا: استقبال القبلة

ومن شروط الصلاة استقبال القبلة وهي الكعبة المشرفة، سميت قبلة لإقبال الناس عليها، ولأن المصلي يقابلها، قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}فإن قرب من الكعبة، وكان يراها؛ وجب عليه استقبال نفس الكعبة بجميع بدنه؛ لأنه قادر على التوجه إلى عينها قطعا، فلم يجز له العدول عنها، ومن كان قريبا منها، لكن لا يراها؛ لوجود حائل بينه وبينها؛ اجتهد في إصابتها، والتوجه إليها ما أمكنه، ومن كان بعيدا عن الكعبة في أي وجهة من جهات الأرض؛ فإنه يستقبل في صلاته الجهة التي فيها الكعبة، ولا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران، لحديث: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) صححه الترمذي، وروي عن غير واحد من الصحابة، وهذا بالنسبة لأهل المدينة وما وافق قبلتها مما سامتها، ولسائر البلدان مثل ذلك؛ فالذي في المشرق مثلا تكون قبلته بين الجنوب والشمال والذي في المغرب كذلك.

فلا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة، لقوله تعالى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أي: في بر أو جو أو بحر أو مشرق أو مغرب؛ إلا العاجز عن استقبال الكعبة: كالمربوط أو المصلوب لغير القبلة إذا كان موثقا لا يقدر عليه؛ فإنه يصلي حسب استطاعته، ولو لم يستقبل القبلة؛ لأن هذا الشرط يسقط عنه للعجز بإجماع أهل العلم، وكذا في حال اشتداد الحرب، والهارب من سيل أو نار أو سبع أو عدو، والمريض الذي لا يستطيع استقبال القبلة؛ فكل هؤلاء يصلون على حسب حالهم، ولو إلى غير القبلة، وتصح صلاتهم؛ لأنه شرط عجز عنه؛ فسقط، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم) وورد في الحديث المتفق عليه؛ أنهم عند اشتداد الخوف يصلون مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.

ويستدل على القبلة بأشياء كثيرة؛ منها: الإخبار، فإذا أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل؛ عمل بخبره، إذا كان المخبر متيقنا القبلة، وكذا إذا وجد محاريب إسلامية؛ عمل بها، واستدل بها على القبلة؛ لأن دوام التوجه إلى جهة تلك المحاريب يدل على صحة اتجاهها، وكذلك يستدل على القبلة بالنجوم، قال الله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}

التعليقات (1)

abouamn