عبدالحي عداربه

22

1,415

القرآن أو الدمار .. د. عبد الحليم عويس .

من
قصة الإسلام
مبادئ القرآن الكريم للقيادة العالمية ..
***
**
*

الإنسان المسلم بين قرون الغياب والقيادة الجديدة للإنسانية
د. عبد الحليم عويس
تعتمد رحلة الإنسان و(صناعة الحضارة) على بناء الفرد ثم الأسرة؛ فلكي تنشئ مجتمعًا سليمًا إياك أن تُهمل بناء الإنسان (الفرد).. وقد سقطت أمامنا كل النظريات الاشتراكية والإمبريالية؛ لأنها أهملت بناء الفرد، أو لأنها بَنَتْه بناءً متناقضًا يحمل معه جراثيم الموت!! فالاشتراكية رأت أن تبني الفرد على الطاعة العمياء كما تريد، ورأت أن تفرض عليه فكرها الماديّ العاجز، وأن تذيب فرديتَهُ وحريتهُ في المجتمع؛ بحيث يكون الإنسان مجرد "قالب حجارة" في البناء الاجتماعي، فهو نمط مكرور لا يتمتع بميزات خاصة، ولا تسمح له الاشتراكية والنظم العسكرية بالإبداع الحرّ الذي يخرج عن إطار (القالب) الذي صنعته له ووضعته فيه.

فالإنسان في النظم الشمولية يعيش في سجن ذاته، وهو مضطر لأن يقهر إرادته وعقله وملكة الإبداع فيه لكي يتكيَّف مع النظم أو القوالب التي صنعتها مخططات الدولة الاستبدادية، وإلا.. فإن الخروج أو عدم التكيف يؤديان إلى السجون البشعة التي لا تليق بالحيوانات، والتي يهون الموت بالنسبة لها، بل يصبح الموت مطلبًا عزيزًا لمن يقعون تحت مطرقة الاشتراكيين والثوريين والعسكريين.




أما (الإمبريالية)
التي كان ينخدع بها كثير من الناس، والتي كانت الشعوب تظنها طريق النجاة فقد سقطت في فقهها للإنسان، لا سيما بعد تجربة الليبرالية الأمريكية التي اخترعت السجون البشعة والحروب الإبادية.

لقد نظرت الإمبريالية للإنسان -ابتداءً- على أنه (كائن حيواني عقلي)، فهو حيوان مفكر أو عاقل أو ناطق.. لا غير.. أما روحه وأشواقه العليا وتجلّياته الروحية والأخلاقية والإنسانية، فهي محض خيال شرقي أو ديني (ميتافيزيقي).. فالترف.. والمصلحة.. والتقدم في الجوانب المحققة للإشباع المادي والعقلي.. هي الهدف.. حتى ولو عن طريق المذهب المكيافيللي (الغاية تبررّ الوسيلة)... فكل الوسائل الوضعية والتدميرية مقبولة، حتى ولو أدى الأمر إلى ممارسة التعذيب الوحشي (لنتذكر سجن أبي غريب) ومصادرة مفهومي الحرية والديمقراطية اللذين كانت البشرية تنخدع بهما، وترنو بأحلامها إليهما.

والمهم أنه على هذا النحو تشكل إنسان مادي أعور (ليبرالي) تكاد طبيعته المشوّهة تنكر كل القيم والأخلاق الإنسانية، فضلاً عن إنكارها للدين باسم العلمانية التي تعطي الدين للمعابد أو (لله) كما يقولون، وتعطي جوانب الدنيا كلها لقيصر.. أي للهوى الحاكم والعقلانية المبتورة المنفصلة عن الوحي، والمنكرة لتنظيم الله للحياة في دائرة العلاقة به سبحانه، وفي العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وفي العلاقة مع الكون كله.

وكما انسحق (الإنسان الفرد) في النظم الاستبدادية الشمولية تحت شعارات الولاء للدولة والخضوع للمواثيق الوطنية والكتب الخضراء والحمراء التي يخترعها السدنة والعبيد للحكام المتألِّهين المتفننين في الجور والقهر العام.

كذلك انسحق (الإنسان الفرد) في النظم الليبرالية التي تواطأت (باسم العقل والعلمانية والمصلحة والحداثة والترف المادي)، وعملت على تحويل الإنسان إلى حيوان مادي مترف يعبد الأرقام والأشياء والتكاثر، ولا يفكّر في الله ولا في اليوم الآخر.. فالدنيا عنده هي كل الرحلة، ويجب أن يتجرع فيها -في كل لحظة- كئوس السعادة هو ومحيطه ووطنه ودائرته لا غير.

أما الآخرون.. فليذهبوا إلى الموت البطيء أو السريع، أو لينتظروا سعادتهم في الآخرة التي يؤمنون بها، والتي يقولون إنهم يعملون لها!!

وهكذا التقت الليبرالية الحاكمة للعالم اليوم مع الشيوعية في هدم الإنسان، حتى وإن اختلفت الآليات والشعارات!!

لكن الرسول الأمِّيّ الأعظمَ
محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم
مكث ثلاث عشرة سنة في مكة -وعشرًا في المدينة المنورة- يبني الإنسان الكامل الذي تتحقق فيه الإيجابية الروحية والقوة النفسية والأخلاق الربانية، والفعالية في العمل والعطاء القائمين على التضحية والإيثار النادرين في التاريخ.. فضلاً عن تربية هذا الإنسان المسلم على إدراك مجالات الطاعة المطلقة -لما هو أمر صادر عن الله أو عن رسوله الذي لا ينطق عن الهوى، ولا مجال فيه للرأي البشري- وما هو قابل للرأي والشورى؛ لأنه مجال لم يلزم الله فيه بأمر، وإنما تركه لإبداع العقل البشرى، ومن الواجب -وليس من الحق فقط- الاجتهاد في فهم أفضل صور تطبيقاته؛ ففي مجال الطاعة المطلقة يرد قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].

أما في مجال الرأي والشورى، فيرد قوله تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. والجدير بالتنويه أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا المعادلة تمامًا، وعرفوا الحدود الفاصلة بين المُسْتَوَيَيْن.
ولهذا قال الحُبابُ بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل (موقعة بدر): يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمشورة؟. فلما قال له الرسول: إنها الحرب والمشورة. قال للرسول -بكل تواضع وأدب-: فما هذا بمنزل.. وأخيرًا اقتنع الرسول بمشورة الحباب بن المنذر.

وهكذا بنى الرسول صلى الله عليه وسلم إنسانًا يعرف كيف يطيع الله ورسوله، ويعرف كيف يعمل عقله، ويتعبَّد بالأمرين معًا.. ويتناغم فيه العقل مع القوى الروحية والمادية والأخلاقية.. ويعرف كيف يرتفع بالمصلحة العامة على الخاصة بحبٍّ وولاء وإيثار، وكيف يؤثر ما عند الله على ما عند الناس، ويعلي الآخرة دون أن ينسى نصيبه من الدنيا، ويؤمن -بسموٍّ إيماني نفسي- بأن الله بعثه ليخرج من شاء -بإذن الله- من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.


إن الإنسان المسلم هو الإنسان الوحيد
المؤهل لإنقاذ السفينة الآن.

إنه الإنسان الذي يجب أن نبنيه بعد أن عشنا في التِّيه نحو ثلاثة قرون، أصبحنا فيها مقهورين (بالقابلية للاستعمار)
والركوع والسجود لكل الوثنيات الفكرية والسياسية!!

إنه الإنسان الذي سَيَبْعَثُ في كل دقيقة من الزمان فاعليتَها، وفي كل بقعة من الأرض حياتَها، وتضيء جوانب العقيدة والشريعة والحضارة الإسلامية فيه من جديد.. فيصبح (داعية) بذاته، وبفكره، وبسلوكه.

إنه الإنسان الذي يذوب في الصلاة فيسمو بها إلى الملأ الأعلى، ويصوم فتصوم كل جوارحه وأفكاره، ويتألق فيه المعنى الاجتماعي الإيثاري في الزكاة والصدقة، ويعرف حجم الأشياء على حقيقتها.. ويحج.. فيقف مستوعبًا كل دروس الرحلة الحنيفية النبوية من أبي الأنبياء إبراهيم إلى خاتم الأنبياء محمد (عليهما الصلاة والسلام). ومن ثَمَّ يقرر أن يحمل الراية وريثًا لهما، معتزًّا بهذا النسب الزكي، معيدًا إلى التاريخ معناه النبوي والإنساني.


لقد أصبحت عودة قطار الإنسان المسلم إلى قضبانه،
وانضباط الإنسان المسلم -بالتالي- بشارات المرور والمحطات التي وضعها الإسلام مطلبًا يصل إلى مستوى (فرض العين) على كل مسلم ومسلمة.. و(فرض كفاية) على (مجموع الأمة) بعد أن وصل الخور والضعف والوهن إلى مستوي يَبْرَأُ منه الإسلام، وأصبح الإنسان المسلم (حكامًا ومحكومين ودولاً وشعوبًا) عالة على الإسلام، لا يصل منسوبهم الحضاري إلى مستوى العصر وحضاراته، ولا إلي قريب من مستوى أسلافهم الذين فتحوا العالم بالدِّين والعلم والعَمَل الصالح (القدوة).


في ظل هذا الغياب وهذا التيه سيظل الإنسان
"الأوروأمريكي" الذي قدَّم خلال المائة سنة الأخيرة أبشع الصور من خلال الحروب العالمية والإقليمية، وحروب الإبادة الجنسية وتلويث البيئة والأخلاق، وفرض الإلحاد والشذوذ والانحلال.. وبالتالي قدم من خلال كل هذا وغيره نموذجًا وحشيًّا عنصريًّا غير قابل للاستمرار، وإلا حفر للبشرية قبورها.


ومع كل السلبيات التي يعيشها الإنسان المسلم،
فهو -وحده- الذي يملك المشروع القابل للقيادة،
والقيام بدور الإنقاذ لسفينة الإنسان.

وهو وحده الذي يملك ثوابت وقواعد انطلاق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وكذلك لديه التجربة المثالية الواقعية الحيَّة.

وهو -وحده- القادر على بيع الدنيا والتضحية بنفسه وماله من أجل عقيدته ودينه، والحياة تهون عنده في سبيل رضا الله والآخرة،
وإنقاذ الإنسانية كلها
من وحشية الليبرالية وحيوانية الشيوعية والوثنية.

وأخيرًا، فإنه المؤهل -لو تمثل تجربة الإسلام الأولى مع الأخذ بوسائل العصر- لتقديم نموذج الإنسان، الذي يفرض العدل، ويجنح للرحمة، ويتجاوز العنصريات والصدام الحضاري والعقدي،
والرغبة الحمقاء في إفقار البشرية باسم العولمة،
وإبادة الشعوب لحساب التقدم الديموقراطي!!

إنه إنسان العدل.. مع ذوي القربى ومع الأعداء، وإنسان الرحمة للعالمين.. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

د. عبد الحليم عويس

المصدر: موقع الشباب.

التعليقات (1)

abouamn     

################################################################
###############################

##

####################################

###############################

##

####################################

###############################

##

####################################


###############################

##

####################################


########

##

########################

##

####################

######

##########


########

##

#######

##

##

##

##

##

#######

##

#######

######

#######

##

##

##

##########


########

#####################################

##

###############

##########


#######################################

######

#######

##

#############


########

######

##########################################

##

##############


###################################################

##

#############


###################################################

#########

######


################################################################