Fadi Batikh

0

1,008

رحلة العمر !!!!!




سيدي يا رسول الله...




أنا من أحدث أجيال المسلمين، تعرفت علي كيفية أداء
مناسك العمرة من خلال مقاطع على الـYouTube ، ولم أسافر إلى الأراضي المقدسة على
ظهر «ضامر»، ولكن على متن إحدى طائرات الإيرباص، وكنت أقف أمام قبرك للمرة الأولى
مرتديا جينز فاتح وتي شيرت كُتب عليها بحروف إنجليزية بارزة adidas،



أنا من المسلمين الجدد،
الذين فرحوا لوجود فرع لـStarbucks بالقرب من مسجدك، حيث يمكن تناول بعض
الأكسبريسو بين صلاتي المغرب والعشاء. وأزاحوا عن عقولهم همَّ البحث عن الطعام،
لوجود فرع لـ KFC وآخر لـPizzahut في المكان نفسه،


أنا من مسلمي الألفية الجديدة، استعنت بالـ Red bull
لمنحي القوة اللازمة لأداء مناسك العمرة، مرتين في اليوم. واستعنت بالـ صن بلوك
لاتقاء شر الشمس الحارقة، أثناء الطواف بين صلاتي الظهر والعصر. وشربت ماء زمزم
مثلجا من الكولمنز المنتشرة في الحرم، وتوجهت من الفندق إلى الكعبة عبر السلالم
المتحركة،


مسلم من
الألفية الجديدة، غلبه النعاس قبل صلاة الفجر، وهو يستند إلي أحد جدران الحرم، بفعل
نسمات الهواء الباردة التي هبت عليه من أجهزة التكييف المنتشرة في كل مكان،


وتفكّرَ كثيرا، عقب
كل صلاة، في مهندس الصوت الذي صمم خريطة السماعات في الحرم، بحيث يهب عليك صوت
الإمام من كل صوب، قويا ونقيا ومؤثراً، وسأل عن نوع السماعات، فلم يصل إلى إجابة،
لكنه عرف أن مهندس الصوت فرنسي «أكيد فرنسي مسلم»،


وتجول عقب صلاة العشاء في المولات الضخمة، واضعا
سماعات MP3 في أذنيه، باحثا عن الهدايا التي طلبها منه أصدقاؤه وأقاربه. وهي ليست
سبحة وسجادة وقارورة زمزم، لكنها آي فون، وميموري كارد 50 جيجا، وزجاجة بريفيوم
دانهيل لندن50 مللي، وأحدث مؤلفات الكاتب الأمريكي جون جريشام من مكتبة جرير. جدير
بالذكر أنني اشتريت من المكتبة نفسها أفلاماً غير متوافرة في بلدي .


أنا التطور الطبيعي للمسلمين، أخرجتُ من ملابس الإحرام، فوق
الصفا، قائمة بالدعوات التي كلفني بها الأصدقاء: لم تكن مجرد دعوات مطلقة، بالصحة
والستر والرضا، لكنها كانت محددة بدقة... طلب مني صديق أن أدعو له أن يبعد حماته عن
شئون بيته. ودعوت لآخر أن يعينه الله على تسديد أقساط بيته الجديد في التجمع
الخامس. ودعوت لصديق بنجاح فيلمه الذي سيعرض في الصيف. ودعوت لصديق آخر مطرب أن
يصبح «بنص طلبه» أنجح مطرب في مصر. ودعوت لقريب أنه «يلاقي شغل في إيطاليا». ولآخر
أن يكسب القضية التي رفعها على المصنع الذي استغني عن خدماته دون مبرر. ودعوت لصديق
«حسب طلبه» أن يعينه الله على الإقلاع عن تدخين الحشيش؛ «لم أكن أعرف أنه يدخنه قبل
أن يوصيني بالدعاء. لذلك أخلصت في الدعاء له... بس شكله هو اللي مش عايز يبطل».


دعوت لصديقة أن
يوفقها الله في قضية الخلع التي رفعتها علي زوجها. ولأخرى أن يرزقها بطفل، لا حبا
في الأطفال، لكن حتى لا يتزوج رجلها، الذي تعشقه، بأخرى.


دعوت لقريبة «حسب طلبها» أن «تخس
شوية، علشان تعرف تتجوز». ويبدو أن الله استجاب، حيث أصيبت بفيروس في المعدة، جعلها
تعيش الشهرين الماضيين على الطعام المسلوق والفاكهة ،الأمر الذي أفقدها عدة
كيلوجرامات، أغرت قريباً لنا أن يطلب يدها، بعد أن رآها في عزاء والدته.



أنا من المسلمين الجدد
الذين يقاطعون المنتجات الدنماركية، ويطلبون الفتوى بالتليفون، ويُصلّون على سجاد
صيني الصنع مزود ببوصلة لتحديد القبلة ويستخدمون الأدعية المسجلة في الحرم، وأغاني
سامي يوسف، كرنات للموبايل، وآية «

ولسوف يعطيك ربك فترضى

» كخلفية لشاشته. ويبدأ الدي جي أفراحهم بأسماء الله
الحسنى لهشام عباس، ويذهبون إلي الحسين من أجل الشيشة التفاح، وإلى السيدة زينب من
أجل كفتة الرفاعي. وكلما ذكرت أمامهم رابعة العدوية، تذكروا نبيلة عبيد، أو شارع
الطيران، على أقل تقدير.



أنا من المسلمين
الجدد الذين يديرون قصصهم العاطفية بصلاة الاستخارة، ويربطون بين مشاريعهم التجارية
والدين قدر استطاعتهم، فصاحب محل العصير يضع لافتة (شرابا طهورا)، وصاحب مناحل
العسل يصدر بضاعته بأنه فيه (شفاء للناس). وهناك المبالغون، الذين يربطون تجارتهم
بالدين بالعافية، مثل الحلاق الذي كنت أسكن إلى جواره في الهرم، وكان يضع لافتة
(وجوه يومئذ ناعمة)، أو صاحب كشك الحلويات على طريق إسكندرية الصحراوي، الذي كتب
علي الواجهة (كشك النبي) - لن أتحدث عن كشري الصحابة وحاتي المدينة المنورة –


بعضنا يستعين بآيات
القرآن عن وعي وإيمان، ومنا الجاهل الذي وضع علي خلفية فراش الزوجية استيكر
(دعاء الركوب


منا المستسلمون للمشيئة بقلوبهم، ومنا من يتعامل مع المشيئة
بجهل، مثل صاحب محل البقالة الذي يرد علي التليفون قائلاً: (سوبر ماركت مجدي إن شاء
الله). بعضنا يكره التعصب لأنه ضد روح الدين، وبعضنا يتمسك بالتعصب كأهم مظهر
للتدين. بعضنا يعالج بالقرآن والبعض بالرقية الشرعية، والبعض متمسك بالأعشاب،
والبعض متمسك بالعلم الحديث، ويرى كل ما فات جهلاً، لكن، وللأمانة، كلنا
مرضى.


أنا من المسلمين الجدد الذين يبحث بعضهم عن عظمة الخالق في
غابة شجر في ألمانيا، نبتت الأشجار فيها بطريقة تشكل جملة (لا إله إلا الله). وفي
الأردن، حيث صور الفتاة التي تحولت إلي مسخ، لأنها سبّت النبي صلّى الله عليه
وسلّمز وفي أعماق المحيط، حيث عثروا على سمكة، نقش علي جسمها لفظ الجلالة. وعبر
القمر الصناعي، الذي اكتشف نوراً يخرج من الكعبة.


لا يبحثون عن عظمة الخالق في المعجزات التي تحدث من
حولهم طوال اليوم، مثل أن يخرج من بيته، ويعود إليه سالما، في بلد مثل الذي نحيا
به. يبحثون عن عظمة الخالق في التشفي (تسونامي وتشرنوبيل وإنفلونزا الخنازير) وكأن
غرقى السلام 98 كانوا من عبدة الأوثان.


أنا من أحدث أجيال المسلمين، الذين لم يحظوا بشرف رؤيتك،
وآمنوا بك عن بعد. نحن الذين لم نذق حلاوة الدخول في الإسلام على يديك، سرا أو
جهرا، ولم نُصَلي خلفك، ولم نشاركك طعاما أو غزوة، أو مجلس علم، وإن كنا شاركناك
على البعد في العذاب، الذي ما زلنا نلقاه على يد الكفار.


بالمناسبة، معظمنا لا يقوى علي حمل
سيف، ليضرب به أعناق المنافقين أو الكافرين. نحن نحمل السيوف فقط لنرقص بها، في
الزفة الدمياطي، وفي الأفراح الشعبية. ولا أحد منا يقدر أن يتحمل لسعة سوط من يد
أحد المشركين، دون أن يتخلى عن إيمانه، فالحقيقة أن قلماً واحداً من مخبر جاهل يجعل
التخين فينا يتخلى عن أعز ناسه. نحن الذين فاتنا شرف تلقي العلم على يد سيدنا عليّ،
لكننا للأمانة، نتلقي بعضاً منه بطريقة كوميدية، على يد سيدنا حسين يعقوب. ولم نر
بأعيننا الشيطان وهو يهرب من طريق سيدنا عمر بن الخطاب، لكننا رأيناه - بعد أن هرب-
يستقر بيننا، متيقظا 24 ساعة. لم يسعفنا الحظ لنقف عند مدخل المدينة المنورة،
لنستقبلك أنت والصديق، بعد رحلة الهجرة، لكننا سهرنا الليل كله في مطار القاهرة،
ننتظر عودة بعثة المنتخب الوطني بكأس أفريقيا.



أنا من المسلمين الجدد الذين شهدوا ازدهار الصين، وبلوغها
أوج مجدها، كما قلت منذ زمن بعيد، عندما أمرتنا أن نطلب العلم ولو في الصين، يؤسفني
أن أقول لك إننا لم نطلب العلم، ولكننا طلبنا بضاعة؛ طلبنا الفوانيس، وأجهزة
الموبايل، والخلاطات، وكل ما هو استهلاكي.


أنا من المسلمين الجدد الذين يفعلون المستحيل لحفظ فروجهم،
خاصة بعد أن أصبح (الجنس الآمن للجميع)، بالبيع العلني للعوازل، والفياجرا، وحبوب
الإجهاض. نحن الذين شهدنا انهياراً جزئياً في نظرية "تزويج من ترضون دينه" مقابل
نجاح نسبي لنظرية الراجل ما يعيبوش إلا جيبه.


نحن الذين أطلق بعضنا لحيته تأسيا بتامر حسني، أما
من أطلقها حسب السنة فهو موضع، تفكير إما من جهة مباحث أمن الدولة، أو من جهة
البسطاء، الذين خدعوا كثيرا بمحتالين، كانت اللحية هي عدة عملهم الوحيدة.


نحن الذين انحزنا
عند تطبيق السنة لـ (التيمن) و(العقيقة) أكثر من تحيزنا لوصيتك بالإحسان للجار...
وأن نتقن عملنا.







التعليقات (0)