كيف نتجاوز فساد عصر مبارك ونبني نظاما لمكافحته؟
كيف نتجاوز فساد عصر مبارك ونبني نظاما لمكافحته؟
أحمد السيد النجار
ورثت مصر كما هائلا منالفساد من عصر مبارك, وهو فساد منهجي ومنتشر كالسرطان في جسد الاقتصاد وفي كلمايتعلق بالتصرفات في المال العام والأصول المملوكة للدولة وعقود توريد السلعوالخدمات للدولة.
وخطورةهذا الفساد الذي نزح موارد وأملاك الأمة ومالها العام لجيوب حفنة من الفاسدين, أنهارتبط بالسماح بالفساد الصغير لبناء ثقافة مدمرة تتسامح مع الفساد ولمواجهة مثلهذه التركة الثقيلة, فإن مصر ينبغي ان تبني نظاما متكاملا لمعالجة هذه التركةالثقيلة للفساد. وهذا النظام المقترح لابد ان يقوم علي قوانين رادعة ومحكمة لمنعالفساد من خلال فرض مانسميه الرقابة القبلية أي رقابة التصرفات في المال العام قبلوخلال تلك التصرفات, وذلك من خلال أجهزة الرقابة ومجلس الادارة والجمعيات العموميةالمنتخبةكليا, وأيضا من خلال تغليظ عقوبات الفاسدين, وبناء مؤسسات رقابية مستقلةتماما لديها كل الحق في النفاذ الي كل المعلومات المتعلقة بالتصرفات في المالالعام أيا كانت صورته مالية أو عينية, ولديها الحق في تحويل ماتكشفه من فساد اليالقضاء مباشرة دون أي تدخل من السلطتين التنفيذية أو التشريعية, ولضمان أقصيفعالية للقضاء في مكافحة الفساد والانتصار للحق والقانون. فإن ذلك يتطلب وضع دستورجديد يتسم بالفصل بين السلطات والتوازن بينها ويتيح للسلطة التشريعية القيامبدوريها التشريعي والرقابي بكفاءة وحرية ونزاهة ويتيح للسلطة القضائية القيامبعملها انتصارا للقانون والحق علي الجميع علي قدم المساواة دون تدخلات أو تأثير منالسلطة التنفيذية.
كمايجب علي الحكومة ان تغلق الكثير من أبواب الفساد مثل اعتمادها علي الشركات الخاصةفي استيراد احتياجاتها حتي من القمح, وهو عبث مطلق, وأن تحمي مزارعيها من استحواذتجار ومصدري الخضر والفاكهة علي الغالبية الساحقة من ايرادات قطاع الزراعة, لدرجةأن سعر تصدير البطاطس يبلغ ستة أضعاف سعر شرائها من الفلاحين. ويجب ان ينصبالتركيز في مكافحة الفساد في عهد الديكتاتور المخلوع, علي مراجعة آليات ترسيةوأسعار كل صفقات منح أراضي الدولة سواء للزراعة أو التنمية العقارية بما في ذلكالأراضي التي تم منحها لعدد من رجال الأعمال ضمن البرنامج القومي للإسكان الذينحصلوا عليها بسعر10 جنيهات للمتر المربع بدون مرافق, أو70 جنيها للمتر مع وجودالمرافق الخارجية, مع منحة قدرها15 ألف جنيه عن كل وحدة مساحتها63 مترا يتمإنشاؤها, وبدلامن أن يبيعوا الوحدة السكنية بالمساحة المذكورة بسعر45 ألف جنيه كحدأقصي كانوا يبيعونها بما يتراوح بين103 و150 ألف جنيه محققين أرباحا استغلالية عليحساب المال العام حارمين الفقراء ومحدودي الدخل من حق السكن الذي حصلوا من أجلهعلي الميزات المذكورة. كما ينبغي مراجعة عقود الأراضي التي تم منحها ضمن مشروعتوشكي عموما, وبالذات تلك التي منحت لرجل أعمال سعودي هو الوليد ابن طلال بشروطمروعة ليس أسوأها أن الإنفاق العام علي البنية الأساسية لكل فدان بلغ11 ألف جنيهتم دفعها من دم الشعب المصري, بينما حصل هو علي الفدان بـ50 جنيها فقط( خمسينجنيها) في إهدار هائل للمال العام لايمكن ان يكون قد حدث بدون حصول من أهدروا هذاالمال العام علي عمولات فاسدة, ولم يأبه مبارك ونظامه الي ضرورة منح تلك الأرضلأهل النوبة لإعادة توطينهم قرب أراضيهم التي غمرتها بحيرة ناصر بعد انشاء سد مصرالعالي.
كماينبغي التركيز علي كل صفقات الخصخصة الفاسدة كليا والتي يسأل عنها وزراء قطاعالأعمال العام والاستثمار وهم عاطف عبيد, ومحمود محيي الدين, ومختار خطاب, إضافةالي مبارك نفسه.
والحقيقةأن الفساد الذي حدث في برنامج الخصخصة, يبرر إمكانية استعادة بعض الشركات المنهوبةممن اشتروها في حالة اثبات قيامهم بدفع رشاوي للمسئولين المشرفين علي عمليات بيعالقطاع العام بحيث تصبح قضية فساد تستوجب معاقبة الفاسدين والمفسدين فيها واستعادةالأصل العام المنهوب. كما ينبغي مراجعة عقود الأعمال العامة, وصفقات توريد السلعوالخدمات للحكومة, وعقود استغلال الثروة المعدنية والمحاجر, كما ينبغي التركيزأيضا علي الفساد في ادارة الصحف القومية والقطاع العام والهيئات الاقتصاديةوالجهاز الحكومي والمحليات. واذا كان بناء نظام لمنع ومكافحة الفساد في المستقبل,أمرا مهما فإن محاسبة الفاسدين الذين نهبوا المال العام وتربحوا علي حسابه وسهلواللآخرين نهبه في عهد مبارك, لابد أن تتم بصورة حاسمة وسريعة لإعطاء رسالة واضحةللمجتمع مفادها أنه لا تسامح مع أي فساد علي حساب المال العام,
كماأن تغيير كل المحافظين ورؤساء الشركات القابضة والهيئات الاقتصادية العامة الذينتم اختيارهم من قبل مبارك ونظامه, والذين يشكلون جزءا من ذلك النظام الفاسدوأدواته, هو, أمر ضروري لكشف الفساد في المحافظات والمحليات والشركات والهيئاتالعامة, كضرورة قصوي لإصلاح أداء تلك الجهات من خلال قيادات جديدة مشهود لها بالنزاهة,ولا تنتمي للحزب الوطني الفاسد والمفسد, الذي تم حله واستعادة جميع مقراتهالمملوكة للدولة, وينبغي منع أعضائه من خوض الانتخابات العامة علي أي مستويبرلماني أو رئاسي أو محلي لمدة دورتين انتخابيتين كأقل عقوبة سياسية ـ اجتماعية,ببساطة لأن هذا الحزب وقياداته أفسدا الحياة السياسية وزورا إرادة الأمة, فضلا عماقام به بعض قيادات هذا الحزب من نهب المال العام, وتسهيل نهبه للآخرين, بمن فيهمبعض الفاسدين العرب والأجانب. وهذه القيادات الجديدة للمحافظات وشركات القطاعالعام والهيئات الاقتصادية, ينبغي أن تكون خاضعة لرقابة صارمة من العاملين فيها,ومن السلطة التشريعية, ومن مجالس الشعب المحلية التي ينبغي انتخابها بشكل حر ونزيهبعد إقالة المجالس المحلية الراهنة التي جاءت ضمن منظومة تزوير الإرادة العامة,ومن الأجهزة الرقابية التي ينبغي أن تكون مستقلة تماما, وتقدم قضايا الفساد التيتكشف عنها للرأي العام مباشرة, وللقضاء كما ورد آنفا.
كماأن العمل الجاد والسريع والكفء والنزيه من أجل استعادة حقوق المال العام المنهوبمن الأموال والأصول والأراضي العائدة للفاسدين, الموجودة داخل مصر, وتعقب أصولهموأموالهم في الخارج بعد الحصول علي أحكام نهائية من القضاء المصري بشأن المصدرالفاسد لثرواتهم, سوف يساعد علي استعادة كل الأموال والأراضي والأصول المنهوبةالموجودة داخل مصر, واستعادة جانب من الأموال الموجودة في الخارج في المقاصدالدولية والعربية, وجزر كايمان ودبي وغيرها من مقاصد الأموال الفاسدة عالميا.
المصدر : فجرالحرية 25 يناير
0