عربيات

0

961

متى الراحه

ا نه بقدر ما تكون الأهداف كبيرة بقدر ما يكون الجهد المبذول لها كبيرا ,


وتكون التضحية من اجلها عظيمة , ولقد كل طامح لنفسه مبتغا عاليا ,


لا يستطيع صاحبه أن يغفل أو ينام , وصاحب أعلى طموح


هو نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم لقد أراد تعبيد الأرض جميعها لربه ,


وإصلاحها بطاعة ربه , وتعميرها بمنهاج ربه , وإصلاح بني الإنسان بعبودية ربهم ..


تألم شديدا , وعانى عناء مرا في العمل لتحقيق ذلك , ..


عرض نفسه على القبائل وسافر الى الطائف وهاجر الى المدينة و جالس الناس ,


كل الناس , الغني والفقير , القوى والضعيف , فتح عقله وقلبه للجميع ,


ترك راحته وترك كل مغريات الدنيا , واصبح مهموما برسالته فحسب .


ان هدفه لم يكن هدفا شخصيا ليعطي نفسه الراحة ,


فمن عاش لنفسه ربما يستريح , ولكن من عاش لغيره لايملك لنفسه تلك الراحة ,


إن الذين يفهمون معنى الإيجابية في الحياة،


ليدركون أن الحياة لا قيمة لها ولا معنى دون تحقيق الغاية منها،


وأن الراحة للرجال غفلة ..


والله سبحانه يشير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل تقي في قوله تعالى :


" فإذا فرغت فانصب "


أي فاعلم أن هناك جهدا بعد الجهد وعملا بانتظار انتهاء العمل وسعيا خلف السعي ,


وليس ثم راحة أبدا في هذه الحياة .


يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر ,


وكان يعود مرضانا , ويتبع جنائزنا , ويغزو معنا , ويواسينا بالقليل والكثير ( أخرجه أحمد )


ويقول صلى الله عليه وسلم في صورة أخرى لبيان العطاء :


" على كل مسلم صدقة , قالوا فإن لم يجد ؟


قال فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قالوا فإن لم يستطع أو لم يفعل ؟


قال فيعين ذا الحاجة الملهوف , قالوا فإن لم يفعل ؟ قال فيأمر بالخير ,


أو قال بالمعروف , قالوا فإن لم يفعل ؟


قال فيمسك عن الشر فإنه له صدقه ( البخاري )


ثم هذا المشهد المستغرب , والذي تصفه لنا تلك المقولة الدالة


على الشعور الإيجابي العلوي غير المحدود منه صلى الله عليه وسلم,


, ليعلم فيه المدى البعيد الذي يجب أن تصل فيه إيجابية المؤمن ,


حتى آخر لحظات حياته , وآخر لحظات الكون ذاته , يقول صلى الله عليه وسلم :


" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها "


( أخرجه أحمد )


انا نحسب أن هذا المعنى هو أرقى ما وصلت إليه الأفكار الإنسانية


في عقلية البناء والإنجاز والايجابية ,


ولننظر معا له ونتدبره , إن القيامة تقوم على رجل يزرع أرضه , وبيده فسيلة -


وهي جزء صغير من ساق النخلة توضع لتزرع نخلة اخرى جديدة –


فيطالبه الإسلام هنا ان كان يستطيع ان يغرسها في الأرض فليفعل ,


ومن يعرف النخيل يعلم ان الفسيلة لا تثمر الا بعد اكثر من عشر سنوات ,


اذن ما الهدف من الغرس عندئذ ؟!


وهي لن تثمر ولن يستفيد منها إنسان ولا حيوان ولا طير ؟ !


ان الهدف هو التأكيد على ذلك المعنى العلوي العظيم ,


معنى الإصلاح والبناء , معنى الإحسان والنماء , معنى التعمير والإشادة ,


إنه ليؤكد هنا أن الإسلام ما جاء ليهدم أبدا , ولكنه جاء للبناء ,


جاء للحضارة , جاء لعمارة الكون بالصلاح ,


إنه يوصي الامم ألا تتأثر بالعقبات إن هي سارت في طريق الإحسان ,


وألا تتعثر بالأزمات إن هي عزمت على الغرس والزرع والنماء .

التعليقات (0)