قلعة صلاح الدين
عرف الحصن لزمن غير قصير بقلعة صهيون بعد أن كان معروفا بالسون وأصبح اليوم يحمل اسم قلعة صلاح الدين الأيوبي تيمنا بذكرى القائد العربي صلاح الدين
تقع قلعة السون على بعد (33) كلم شرقي مدينة اللاذقية منتصبة على ارتفاع (410) م، عن سطح البحر فوق قمة صخرية ممتدة طولا ومؤطرة بواديين عميقين الغور يجري فيهما سيلان يجتمعان سوية تحت قسمها الغربي وهي في منظرها العام أشبه ما تكون بمثلث متساوي الساقين متطاول الشكل ترتكز قاعدته في الجهة الشرقية ويبلغ طولها (740) م. أما مساحته فتزيد عن(5)هكتار
وتـنـقسم القلعة إلى قسمين متميزين عن بعضهما البعض قسم شرقي مرتفع فيه أغلب التحصينات الهامة وقسم غربي ينخفض انخفاضاً ظاهراً عن القسم السابق وإلى الشرق من القسم المرتفع عند هضبة مسطحة كانت متصلة بادئ الامر بالرأس الصخري الذي نهضت القلعة من فوقه ثم فصلت عنه بخندق نحت نحتاً في الصخرة، وقد حظيت بإعجاب العلماء فقيل فيها بأنها ربما كانت أجمل نموذج لفن العمارة العسكرية في سوريا، وان أطلالها ربما تكون من أكثر ما خلفته ’’ سوريا القرون الوسطى‘‘ إثارة للدهشة.
إنها أكبر القلاع التي بناها الصليبيون مساحة زد على أنها أجمل شاهد لدينا عن الفن العسكري الفرنسي في القرن الثاني عشر فلا تجد في أي مكان آخر عمارة من ذلك العصر تضاهيها قوة، وإنشاء يضاهيها كمالاً في حسن التنفيذ.ى
مرت القلعة في القرون الوسطى بأحداث مهمة كانت مسرحاً لها وصدرت دراستين هامتين عنها باعتبارها من فن العمارة الصليبية، فرفع أحد المهندسين الفرنسيين وضعها الراهن عام 1929م. وفي عام 1937م. تم ترميم بوابة الحَمَام العربي (الغربي) ورممت بذلك بعض الابنية كما استخرجت بعض الانشاءات العمرانية الاخرى التي كانت مطمورة، ومنذ عام 1966م. والمديرية العامة للاثار والمتاحف تقوم بأعمال الترميم والصيانة.
تاريخالقلعة عبر العصور
كانت تابعة لسلطة جزيرة أرواد في عهد اليونان وفي القرن الرابع ق.م، سلم ابن ملك أرواد للمنتصر المكدوني المدينة المسماة سيفون وهو أول من اقترح اعتبار اسم سيفون مصدر اسم صهيون الذي حملته قلعتـنا خلال القرون الوسطى حيث أن الاغريق لم يكونوا يلفظون جرف الجيم عند وصول العرب والوحيد من المؤرخين العرب الذي ذكرها معرباً هو ’’أبو الفداء‘‘ وقد كتبه صَهْيُون بفتح الصاد وسكون الهاء وضم الياء وسكون الواو وما يتوفر لدينا الآن من معلومات لا يسمح بأي ربط مع صهيون الارض المقدسة (القدس) التي ذكرها ياقوت الحموي.
العهدالحمداني
رغم أننا لا نرى أي أثر من عهد الحمدانيين بالقلعة إلا أن التاريخ يشير إلى أن سيف الدولة الحمداني استولى على قلعة صهيون واتخذ منها حصناً من حصونه.
الاحتلال البيزنطي من 975 حتى 1108
يروي التاريخ أن الامبراطور ابن الشمشقيق اجتاح سوريا عام975م. ، ودانت له مدينة صهيون وبقيت القلعة بيد البيزنطيين حتى قدوم الصليبيين إلى اللاذقية مكثوا فيها حوالي مائة وعشرين عاما وتركزت تحصيناتهم في القسم الشرقي من القلعة فكانت القمة البيزنطية والاسوار المحيطة تشمل مجمل رأس الصخري ومنازل السكن في القسم الغربي المنخفض حيث كانت القلعة على اتصال مع الهضبة.
الاحتلالالفرنجي
احتل الفرنجة اللاذقية عام 1108م، وربما تم الاستيلاء على القلعة حينها وفي العام الواقع في 1119م. كان الاحتلال قد وقع وهو تاريخ وفاة الحاكم الذي لقب بصاحب صهيون واسمه ’’روبير بن فولك‘‘.
وتعود قلعة صهيون في حقيقة الامر إلى القلاع الاقطاعية التي يرجع تاريخها إلى بداية الاحتلال الغربي، ويقول فيها أحد المؤرخين (يبدو أن صهيون كانت من أهم القلاع العسكرية التي بناها الصليبيون مع بداية احتلالهم للبلاد حيث قلعة الحصن لم تكن سوى برج بسيط بالمقارنة مع قلعة صهيون المنيعة)، وفي عودة للخريطة يتبين لنا أن حصننا هذا كان من أبرز معالمه موقعه الجبلي الشديد الوعورة فقد كان في منأى عن طريق المواصلات حيث يوفر له ذلك الحماية إلا أنه لا يساعده على أن يلعب دوراً هاماً إذا ما هدد المنطقة خطر ما وبقي الفرنج في صهيون نحو ثمانين عاماً حافظت القلعة على مناعتها وقوتها حتى نهاية عهدهم، وقد وصفها ابن شداد الذي كان يصحب السلطان صلاح الدين عند تحريرها فقال ’’وهي قلعة حصينة منيعة في طرف جبل خنادقها أودية هائلة واسعة عظيمة، وليس لها خندق محفور إلا من جانب واحد مقدار طوله-60- ذراعاً أو أكثر وهو نقر في الحجر ولها ثلاثة أسوار سورين دون القلعة وسور القلعة‘‘، أما عماد الدين الأصفهاني فيقول ’’إنها قلعة على ذروة جبل في مجتمع واديين محيطين بها من جانبين والجانب الجبلي قد قطع بخندق عميق وسور وثيق والقلعة ذات أسوار خمسة وكأنها خمسة هضاب‘ صلاح الدين يحررالقلعة في 26-29 تموز عام 1188م.
بدأ صلاح الدين حملته الكبرى ضد الصليبيين عام 1187م. فغادر مصر واحتل فلسطين وتغلغل في سوريا ووصل طرطوس في تموز ثم اتجه شمالاً مغادراً جبلة في 20 تموز، ودامت معركته يومين للاستيلاء على اللاذقية ثم اتجه السلطان صلاح الدين على رأس جيشه باتجاه القلعة يرافقه في تلك الحملة ابنه -الظاهر غازي- وجيشه كتب عنها المؤرخين الذين صحبوه فقالوا: ’’وأخذنا على سمت صهيون وهو حصن يفوق الحصون وطلبناه كما يطلب الدائن المديون، وكان الطريق إليه في أودية وشعاب ومنافذ صعاب ومضائق غير رحاب وأوعاث وأوغار وأنجار وأغوار ، وقطعنا تلك الطريق في يومين ووصلنا ليلة الثلاثاء بليلة الاثنين وخيمنا على صهيون ليلة الثلاثاء..‘‘.آ
وعلى الأغلب وصل الجيشان إلى الهضبة الشرقية المعروفة بجبل التون، وقامت عناصر استطلاعية باطلاعها على الواجهة الجنوبية فاستحسن القائد وابنه دخول القلعة من الواجهة الشمالية للقسم الغربي فالوادي هناك قليل الإنحدار والصعود منه أسهل من أي مكان آخر والسور لم يكن من الضخامة بحيث لا يمكن اختراقه وهو بالإضافة لذلك خالي من الأبراج الدفاعية في جزءه الأكبر فكان أن قاد الملك الظاهر الهجوم من هذه الجهة ولإشغال أكبر عدد من رجال الحامية الصليبية نصب السلطان منجنيقاته على الهضبة الشرقية في حين نصب الملك الظاهر منجنيقان فقط على الواجهة الشمالية للقسم الغربي حيث نزل إلى المكان الضيق من الوادي ونصب عليه المنجنيقات فرمى الحصن منه، والمنجنيق آلة حربية سادت في القرون الوسطى واستعملت لرمي الحجارة عن بعد إلى مسافة تزيد عن الألف متر، ويصل وزن بعض الحجارة إلى (300) كغ. مما سبب أضراراً كبيرة بالسور في ذلك الموضع، ودامت المعركة يومي الأربعاء والخميس وكان الهجوم العام للمسلمين يوم الجمعة حيث حررت القلعة وسلم حصن صهيون بجميع أعماله وسائر ما حواه من ذخائر وأموال إلى الأمير’’ناصر الدين منكورس‘‘ -أسد العرين- وأمير المجاهدين كما وصفه عماد الدين الذي حصّن صهيون وجعله من أحسن الحصون، وبعد وفاة صلاح الدين أعلن ولاءه لإبن صلاح الدين على أن تبقى صهيون له، وكان له علاقاته مع الدول الخارجية... وتتالت خلافة أولاد منكورس بعد موته على الحكم في القلعة إلى أن سلمت للمماليك بعد تصديهم للمغول في معركة عين جالوت.عهدالمماليك
تسلم الظاهر بيبرس المملوكي القلعة في عام 1272م. وعندما أصبح الملك قلاوون سلطاناً على القاهرة تمرد عليه نائب السلطان بدمشق سنقر الأشقر ودعا الأمراء في دمشق لطاعته فأجابوه وتلقب بالملك الكامل وحصل على تأييد باقي البلاد ومنها صهيون، وعندما احتدمت الأمور بينه وبين ’’قلاوون‘‘ لجأ إلى صهيون وحاول كسب تأييد المغول ضد قلاوون إلا أنه لم يتحالف رسمياً معهم واكتفى برسالة تشجعهم على القدوم فكان الهجوم المغولي من قبلهم عام 1280م.
ولكنه عاد ووقف إلى جانب قلاوون لرد المغول باعتبارهم العدو المشترك، وكان الصلح بينهما عام 1281م. حيث تنازل شنقر مقابل بعض الإمارات الشمالية عن قلعة شيزر وبقيت السلطة الشرعية بيد قلاوون وعند الهجوم الجديد للتتر، اجتمع السلطان ’’قلاوون‘‘ و’’شنقر‘‘ بحمص لرد الخطر المشترك في ذلك الوقت علم قلاوون بمحاولة شنقر لفت انتباه التتر برسالته القديمة فتكدر ما كان بينهما من صفاء، وحاول قلاوون احتلال صهيون إلى أن أشرف على أخذ الحصن عنوة وكان أن سلمها شنقر دون قتال واستقبله السلطان وأولاده في مصر وتصافيا وأغدق عليه من عطاياه وأضحى أحد أكابر أمراء الدولة.. وبعد ذلك تبعت طرابلس لولاية طرابلس عند إحداثها وسكن العرب القلعة منذ عهد منكورس ورممت في عهد شنقر، ومن ثم في عهد نواب قلاوون ومن جاء بعدهم ووصفها أبو الفداء في القرن الرابع عشر في النصف الأول منه قائلاً (ومدينة صهيون بلدة ذات قلعة حصينة لا ترام من مشاهير معاقل الشام وبقلعتها المياه كثيرة متيسرة من الأمطار وهي على صخر أصم وبالقرب منها واد به من المحمضات ما لا يوجد مثله في البلاد وهي من ذيل الجبل من غربيه تظهر من عند اللاذقية..).
وكان’’سيباي‘‘ آخر من حكم القلعة بالنيابة عام 1500م. حيث احتل العثمانيون سوريــا عام 1516م. فهجرت قلاع كثيرة منها قلعتنا بعد سقوط المماليك.آ
وبقيت القلعة طيلة قرون عديدة مهجورة لوحشة كئيبة وخاصة أن موقعها النائي الصعب قد صرف الأنظار عنها فترعرعت من فوق أطلالها الباقية الأشواك والأعشاب البرية ونبتت الأشجار فوق أسوارها وحتى في أعلى أبراجها فأضحت الضباع وأبناء آوى تبحث عن مخابئ لها في تلك الخرائب التي كانت في يوم من الأيام سكن وقصور للبيزنطيين والصليبيين وأسلافنا العرب، وبقيت كذلك حتى لفت الإنتباه إليها بعض الرحالة الأجانب فنبهوا العالم لها فارتفعت شيئاً فشيئاً من ظلمات الوادي السحيق وهي اليوم تشمخ بكل جلالة وروعة الماضي متأهبة لإستقبال زوارها
مشكور عالمعلومات