نَعم هم " آفَة " تًهدد كلَّ شيءٍ أَتت عليْه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بيْتٌ أَنْشَدَه الشَاعِرُ القَديم وقدْ سَاءَه مَا رَأى مِنْ
لِكلِّ دَاءٍ دَواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ .. إلا الحَمَاقة أعْيَتْ مَنْ يُداويْها
( حَماقةِ ) الـ بَعض
وأَجْزِمُ أنَّهُ مُحِقّا فيما أنْشَدَ وقَال فالأَحْمَق يُصيْبكَ قَوْلهُ بـ ( حموضَةٍ ) مُفْرِطة
لا يُفيْدُ مَعَها " زِنْتاك " أو غَيْرهِ مِن المُضادّات
تَراهُ تَارةً يُقَهقِهُ ضَحِكاً دونَ سَبب ولمْ يَعيي أنّ الضّحِكَ دونَ سَببٍ " قِلّة أدب "
وتَارةً أُخرى تَجِدهُ يُسيءُ القَوْل فَيَقْدَح بـ هَذا وينْتَقِصُ مِنْ ذاك وليْسَ بعيْبٍ فيْهم
بقدرِ مَا هو " سُوء أَدَبٍ " اعْتَادَ عَليْه
وثَالِثَةٌ أَخيْرة خَلْطٌ بيْنَ الجِدّ والهَزل ومُزاحٌ لا لَوْن لَهُ ولا طَعْم
يُصيبُ الآخرينَ بحالةٍ مِنَ ( التَّقيّؤ )

يَقُولُ الخَليلُ بنُ أحْمَد : النَّاسُ أَرْبَعَة !
رَجلٌ يَدري ويَدْري أنَّهُ يَدْري فذاكَ عَالِمٌ فخذو عَنْه
ورَجلٌ يَدْري وهوَ لا يَدْري فذاكَ نَاسٍ فَذَكِّروه
ورَجلٌ لا يَدْري وهوَ يَدْري فذاكَ طَالبُ عِلمٍ فَعلّموه
ورَجلٌ لا يَدْري ولا يَدْري أنّه كذلك فذاك أحْمَقٌ فارْفضوه

إنَّ الأَحْمقَ يَا سَادَة ينْطَبِقُ عليهِ قولُ البَدويّ ( البعير ما يشوف عوجة رقبْته )
فهوَ لا يَرى بنفْسِهِ عيْباً ولا يقوّم نَفْسَه وقوْلهُ بينَ حينٍ وآخر
إنّما تَجِدهُ هَكذا ( دلْخاً ) فاغِراً فاه
يَتَتَبّعُ " الحُمْقَ " كَما يَتَتَبّعُ البَدويُّ مَواقِعَ القَطْر ولا يسْتَحي مِنْ قَولٍ أو فِعْل
ووجْهَهُ ( مغْسول بمرق ) ويُصيْبكَ مَنْطِقه بـ الغَثَيان
وإنْ حَاولتَ جَاهِداً أنْ تُغَيّرَ وتُصْلِحَ حاله والمُصْلِحُ الله فلنْ تَبْلغُ غَايةً مَعَهُ
بلْ إنّكَ على خَطرٍ مِنْ مُجالَسته والحَديث مَعَه أو حَتّى التّعليقُ على قَوْلهِ
فَقدْ يُكْسِبُكَ حُمْقَهُ وأنتَ لا تَدْري

أبو إسْحَاقٍ قال في وصْفِ هَؤلاء :
" إذا بَلغكَ أنَّ غَنيّاً افْتَقَر فَصدّق وإذا بلغكَ أنَّ فقيراً اسْتَغْنى فصدّق
وإذا بلغَكَ أنّ حيّا مَاتَ فصدّق وإن بلغكَ أنَّ أحْمَقاً اسْتَفادَ عَقْلاً فلا تُصدّق "
وأنْتَ عِنْدَما تَنْظرُ في أَحْوالِ هَؤلاء وأقْوالهم تَجِدُ العَجب العُجَاب
وتَجِدُ سِتّ خِصالٍ تُلازِمهم ولا تَنْفَكّ عنْهم :
غَضَبٌ مِنْ غَيْرِ شَيء وإعْطاءٌ في غَيْرِ حَقْ وكَلامٌ مِنْ غَيرِ مَنْفَعَه
وثِقَةٌ بِكلِّ أَحَد وإفْشَاءٌ للسّر وتَكَلّمهُ بِما يَخْطرُ عَلى قَلْبهِ
ورؤيَةٌ مِنْهُ أنَّهُ أَعْقَلُ النَّاس

هَذهِ الفِئة لا تُمَثّلُ بُشرى خَيرٍ لأي مُجْتَمع ولا تُحققُ لهُ تَقدّما
إنّما هي نَذيرُ شؤمٍ وقيودٌ تُكبّلهُ وتَمْنَعُ تقدّمه ليبْقى أسيْراً لـ ( سَذاجَةِ )
الحَمْقى والجُهلاء والمُنْتَديات والصّحف الالكترونيّة ليْسَت بِمعْزِلٍ مِن هَذا
كلّه فَـ لهؤلاءِ حضورٌ بينَ صَفحاتِها والتَّعرّف عليْهم لا يَحْتاج أيّ عَنَاء فمَا
عليكَ إلا وزْنُ أقوالهم بِميزانِ العَقل حيْنَها تُدْركُ أنَّ هناكَ ( أَحْمَقاً )
يضْرِب بأصْبعيهِ على الكيبورد --
نَعم هم " آفَة " تًهدد كلَّ شيءٍ أَتت عليْه

كيْفَ يَا تُرى يَكونُ الخَلاص
وكيْفَ يُمكننا أنّ نُصْلِحُ مَا أفْسَدَهُ الحَمْقى والجُهلاء

قَدْ فَرَغتْ جُعْبتي وسأَخْتِمُ ببيتٍ مِنَ الشّعر

أَصدُّ بِوجْهي عَنْ كَثيْرينَ إنَّني أَرى المَرْءَ تُرْديهِ الحَمَاقَةُ والجَهْلُ