أبو قتيبة

59

1,567

لا تدعُ الناس إلى النور بلسانك.. أظهره لهم يتبعوه!

تغنَّ بالقيم




لا تدعُ الناس إلى النور بلسانك.. أظهره لهم يتبعوه!







من أراد إحداث التأثير الفذّ فعليه أن يلج من باب مهمّ وسريع الفاعلية ألا وهو باب القيم والمبادئ، وأن يقوم بتغيير القناعات وذلك بزرع القيم وإشاعة المبادئ، وهذا أيسر الطرق وأوضحها في آن واحد.





إن الناس على استعداد لأن يضحوا بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وبكل ما يملكون من أجل قيمة يؤمنون بها أو مبدأ يعتقدونه، وهذا مجرب ومعلوم.





ولقد خُصَّتْ الأمةُ المسلمة بالشهادة على الناس والقيادة لهم، لا بسبب اللون أو القوم أو الجنس أو الإقليم أو سائر الفوارق القسرية الأخرى التي لا يد للإنسان في إيجادها أو نفيها، وإنما بسبب ما تؤمن به وما تمتلكه من القيم المعيارية المعصومة في الكتاب والسنة، والتي تشكل لها أدوات التصويب والتجديد، وتمنحها الإمكان الحضاري، وتحتفظ لها بخميرة النهوض، وتكسبها القدرة على معايرة الواقع، واكتشاف مواطن الخلل، وتحديد مواقع القصور، وتبين أسباب التقصير، بسبب ما تمتلك من رصيد تجربة تاريخية حضارية، وخاصة منها مرحلة النبوة ومجتمع خير القرون، الذي تجسده السيرة النبوية، التي تشكل الأنموذج والقدوة للفرد والأمة في تحويل النظرية إلى ممارسة، والفكر إلى فعل، والقيم إلى برامج، وتقدّم المعيار العمليّ لتنزيل قيم الإسلام على الواقع، وتقويم سلوك المجتمع الإسلامي بها، وتحقيق مقاصد الدين.قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}







في كل زمان وكل مكان..





كل النفوس الكريمة على المعالي تلتقي





ولَكَمْ تغنى الشعراء والحكماء والعقلاء والقادة المؤثرون العظماء بالقيم وسطروها في أقوالهم وأفعالهم، لذا تأمّل معي ما ذكره زهير بن أبي سلمى حينما أكّد على مجموعة من القيم مثل الجود والمعروف والوفاء بالعهود والصدق فقال:




ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يُشْتَمِ




ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يُستَغْنَ عنه ويُذْمَمِ





ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبه إلى مطمئن البر لا يتجمجمِ





ومن يفعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذمّاً عليه ويندمِ





ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ







وكذلك انظر القيم التي أوصى بها عبد القيس بن خفاف ولده جبيل في قصيدة طويلة كان مما قال فيها:




أجبيل ، إنّ أباك كارب يومه فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل




أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح طبن بريب الدهر غير مغفل





اللهَ فاتقه ، وأوف بنذره وإذا حلفت ممارياً فتحلّل





والضيفَ أكرمه ، فإنّ مبيته حق ولا تك لعنة للنزَّل





واعلم بأن الضيف مُخبِرُ أهله بمبيت ليلته وإن لم يُسأل





واترك محل السوء لا تحلل به وإذا نبا بك منزل فتحوّل





وإذا هممتَ بأمر شرّ فاتَّئدْ وإذا هممتَ بأمر خير فافعل





وإذا تشاجر في فؤادك مرة أمران فاعمد للأعفّ الأجمل







وفي كل زمان وكل مكان..





من معين السماء ننهل القيم ونرتقي





وأبلغ من قول هؤلاء الشعراء وأحكم من أشعارهم ذكره الله تعالى في كتابه وما أوصى به نبيه في سنته، حيث ذكر الله ورسوله ما فيه غناء لمن أراد أن يعرف منزلة القيم، وإليك بعض الأمثلة على ذلك.





قيمة الإنسان:





قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً}





وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً}





وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلَى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيا النّاسَ جَمِيعاً}





قيمة الأمانة:





عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: (إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)





قيمة الصبر:





عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال: (ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر)





قيمة العدل:





قال تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}





قيمة الذكر:





عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: فيقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم).





قيمة الصدق:





قال تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ}





وعن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصدق طمأنينة والكذب ريبة).





قيمة الكرم:





عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها).





وعن أنس رضي الله عنه قال: ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليُسْلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبثُ إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها.





قيمة الرحمة:





عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).





قيمة الولاء لله:





قال تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ}





وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)





قيمة الصدقة:





عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).





وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ}





قيمة الابتسامة:





عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)





و للحديث بقية ......





...............................................




الدكتور علي الحمّادي



__________________

التعليقات (7)

رامز باراوي     
مشكور أخي سلمت يداك
sawsan     

بارك الله فيك

قيم ذات معانٍ عظيمة

أبـو الليث     

جزاك الله كل خير حجي


حسان معضماني     
موضوع حلو ورائع
سميحة     

مشكور أخي سلمت يداك

ما وراء القمر     

موضوع في غاية الاهمية
مشكور أخ أبو قتيبة بارك الله بك
وجعله في ميزان حسناتك

سنة الكون     

جزاك الله خيراً موضوع قييم يا غالي