رسالة إلى بنيتي ليلة زفافها
قد كنت يا بنيتي حين أطللت على الدنيا قبل عشرين سنة فرحةً، وبهجة،
وأنساً. ثم تألقت بعد ذلك أدباً ، ودلاً وسمتاً . وها أنت تُزفين إلى زوجك على أجمل صورة ظاهرةٍ ، وباطنةٍ ،
تزفين بثياب الحسن والأدب ، مع ما منَّ الله به عليك من الدين والخلق . فهنيئاً لك ، وهنيئاً له .
أي بنيتي
ليس سهلاً على أبٍ فراق ابنته ، وحبة قلبه ، وإن بدا متجلداً ،
وعزاؤه أن كريمته انتقلت من يد شفيق ، إلى يد شفيق آخر ، يتقي الله فيها ، ويرعى حرمة الزوجية ، يسرها
وتسره ، يلاعبها وتلاعبه ، يؤانسها وتؤانسه . ولولا ذاك ، ولولا أن في البقاء منقصة ، ولولا أن الزواج مكرمة
ومعزة ، ما كان سوادك يفارق سوادي ، ولا أظلك بيت غير بيتي ، إلا أن يشاء الله . لكنها سنة الأولين ، وهدي
المرسلين ، وقانون الحياة والتكاثر . لا زلت يا بنيتي كريمة على أبويك ، تتقلبين بين بيتيك ؛ بيت تالد ، وبيت طريف
، فطيبي نفساً ، وقري عيناً ، فإما ترين من البشر أحداً ، فقولي: إني أحدثت للرحمن شكراً ،
حيث أحدث لي نعمةً وفضلاً .
أي بنيتي
الحياة الزوجية سكينة ، ومودة ، ورحمة ، وتلك آية من آيات الله !
أن يأدم الله بين قلبين ، ويمزج بين روحين ، بكلمة الله ! ومع ذلك ، فإن الحياة الزوجية لا تخلو من نوع كدر ،
تقتضيه طبيعة البشر . وقد وقع أشياء من ذلك في بيت النبوة ، وحجرات أمهات المؤمنين ، فلا تبتئسي لما قد
يعرض لك . وليس الشأن في حصول عارض ما ، ولكن الشأن في أسلوب مواجهته ، والتخفيف من وقعه ، ثم
تجاوزه . وفي الحياة الزوجية من الأفراح والمباهج ، ما يغمر الكدر الطارئ ، ويعيد الصفو الأصيل ،
وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث .
أي بنيتي
استمعي لهذه الوصايا التي قيدتها منذ أن تمت خطبتك ، كلما عنَّ
لي ما يسرني ، أو يسوؤني ، في حياتي الزوجية لتعلمي ما يتمناه الزوج من زوجته ، فتَسعدي ، وتُسعدي :
1- أكرمي مثواه : ليكن بيتك نظيفاً ، منظماً ، طيب الرائحة ، لا سيما ما يتعلق به من لباس ، وفراش ، ومجلس ، ومكتب ، فإن الرجل تأسره الخدمة ، ويزعجه الإهمال.
2- أكرمي نفسك : البسي في بيتك ما يعجبه ، والبسي خارجه ما يعجبك . إياك أن يجد منك رائحةً غير مستحبة ، في الفم ، أو البدن ، أو الثياب .
3- أكرمي أهله : لاسيما أبويه ، تفقديهم ، وأظهري الاحتفاء بهم ، أجيبي دعوتهم ، واحضري مناسباتهم . وإياك أن تبدي الاحتفاء بأهلك ، وتهملي أهله وقرابته .
4- أكرمي ضيفه : اجتهدي في تقديم ما تقدرين عليه من صنوف الخدمة ، فإن ذلك يسره . ولا تتبرمي من زواره ، فإن عجزت لعارض ، فأبلغيه عذرك ، ولا تحملي نفسك ما لا تطيق .
5- كوني منظمةً : في مواعيدك ، ووجباتك ، ونومك ، واستيقاظك . لا تسبقيه بالنوم أول الليل ، ولا تستغرقي في النوم صباحاً وهو في البيت ، ولا تنامي دون ضبط المنبه ، يُبارك لك في يومك ، وتنقضي حوائجك .
6- حاولي أن تتقني جميع المهارات التي تنبغي لربة البيت ؛ من طبخ، وخياطة ، وتدبير.
7- اجعلي أعمالك المنزلية وقت غيابه ، وافرغي له حين إيابه .
8- بادري بتلبية طلباته ، حتى ولو لم تكن عاجلة ، لأن الحزم في الأمور يريحك مما لابد لك منه ، والتسويف ينسيك ، ويشعر زوجك بعدم المبالاة .
9- لا تسترسلي في المكالمات الهاتفية أثناء وجوده في المنزل .
10- اجتهدي أن يراك مبتسمة دوماً،لاسيما حين الدخول أو الخروج، فيشتاق إليك.
11 - تجنبي مجادلته مهما كانت قناعتك برأيك ، واكتفي بالبيان مرةً واحدة ، فإن كثرة الجدال توغر الصدور ، ولا تحقق المقصود. والانكسار للزوج يستجيش عاطفته.
12- تحملي مزاحه ، وإن بدا لك ثقيلاً ؛ فاحتمالك مزاحه حال رضاه ، أهون عليك من تجريحه حال سخطه .
13- احذري من انتقاده بمقارنته بأقرانه ، فإن ذلك يخدش رجولته ، ويحمله على مقابلتك بالمثل . ووقع ذلك على المرأة أشد من وقعه على الرجل .
14- احفظي أسرار بيتك ، وحاولي حل مشاكلكما الصغيرة داخله ، فإن أحوج الأمر إلى مشورة ، فأقرب الناس إليك أبويك ، فلا تترددي ، ولا تكتمي ، فإن ذلك يؤذيك ، والنفس تستريح بالبث إلى ذي عقل .
15- لا تهجري فراشه ، مهما كان السبب ، وإلا فسيعتاد الاستغناء عنك .
16- احتسبي على ربك كل ما تقولينه ، وتفعلينه ، في طاعة الزوج ، فإن ذلك من
موجبات الجنة
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال
:
( إذا صلت المرأة خمسها ، وحصنت فرجها ،
وأطاعت بعلها ، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت )
رواه الإمام أحمد ، وابن حبان ، بسند حسن .
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أي النساء خير؟ قال :
( الذي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ،
ولا تخالفه فيما يكره في نفسه ، وماله )
رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، والحاكم ، والبيهقي ، بسند صحيح .
أي بنيتي
فإن قلتِ : هذا له عليَّ ، فماذا لي عليه ؟ فالجواب : لك عليه
قول الله عز وجل: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف)
(النساء: من الآية19)
وقوله ( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)
(النساء: من الآية34)
ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، في حجة الوداع :
( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ...
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )
رواه مسلم . وقال ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه البخاري .
أي بنيتي
أبشري ، وأمِّلي ما يسرك ، فلقد انفتح لك باب حياة سعيدة ، هنيئة ، بإذن الله ، مع زوج صالح ، وطالب علم ، يعينك ، وتعينينه ، ويُعِفُّك ، وتُعِفِّينه ، ويمنُّ الله عليكما بالذرية الصالحة ، والعشرة الحسنة، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
والدك ..
بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
مشكور ابو اليسر رسالة لايزاد عليها شئ
بارك الله فيك أبو ياسر