firehorse

22

2,188

أم كلثوم في حلب.. عام 1931 ..مع صورة نادرة لها


إعلانات



زارت أم كلثوم و معها فرقتها مدينة حلب عام 1931، وأقامت فيها ثلاث حفلات، نزلت في فندق بارون و غنت في مسرح الشهبندر الجديد .



التُقطت لها صورة نادرة في محلات «شاهين» بحلب ، الذي كان وكيلاً عاماً لشركة «أوديون» للأسطوانات الموسيقية التي كانت تسجل « أم كلثوم» عليها أغانيها. ننشرها لكم و هي من مجموعة صور القاضي سعد زغلول الكواكبي .







صورة نادرة لأم كلثوم في محل شاهين بحلب وكيل شركة أوديون للاسطوانات الموسيقية عام 1931



كتب أحمد الأوبري مقالاً يصف الحفلة في مجلة الحديث الحلبية لصاحبها سامي الكيالي نعرضه عليكم .



نص المقال بتصرف :



عزيزي صاحب الحديث الأغر طلبت إليّ أن أبدي لك رأيي ، عقيب استماعي لمطربة المشرق أم كلثوم ، التي قدمت مؤخراً إلى حلب و أحيت فيها ثلاث حفلات تجلى فيها الطرب و كانت من الليالي التي تعد من الأعمار.



كان يسترعي انتباهي الأحاديث و الأقوال التي كانت تدور على ألسنة الناس قبل قدومها ولا شك بأنك كنت تسمع بعضهم يقول : أن أم كلثوم خارقة من خوارق الطبيعة.

وآخرين يدعون : أن غناء أم كلثوم شيء لا يستطيع الإنسان وصفه .

وغيرهم يؤكد : أن من يستمع إلى أم كلثوم يظل مختلجاً سكران "مسطول" يحلم طوال ليله ولا يفارقه الحلم حتى صباح اليوم الثاني .

وسواهم يحكم : بأن أم كلثوم في الاسطوانة غيرها فوق التخت فمن سمع الاسطوانة لم يسمع أم كلثوم .. لا قياس .. لا تشبيه .. وغير ذلك من الأقوال و الأحاديث التي تحملني – كما تحمل غيري بالطبع – على الاندهاش و انتظار ساعة الاستماع إلى المطربة بفارغ الصبر .



دنت الساعة العاشرة من ليلة الاثنين في 28 ايلول 1931 إذ كنا ننتظر في المقصورة في صالة الشهبندر الجديد .

و علت الأصوات من صفوف المحاضرين و دوت الأيدي بالتصفيق إيذاناً بوصول المطربة إلى المسرح .

وأخيراً انكشف الستار، وأرسلت المصابيح الكهربائية أضوائها على من في المسرح، فرأيت أم كلثوم جالسة فوق كرسي اعتيادي لابسة ثوباً أسود طويلاً، فوقه معطف قصير من نوعه و لونه، امتدت أكمامه حتى المعصم فسترت الذراعين كما ستر الثوب الرقراق ما تحته.



فلم تكن العين تقع إلا على رأس مدور ناعم ووجه أسمر حلو، لطّف سمرته مسحوق أبيض مفروش على القشرة بذوق واعتدال.



و عنق متناسب مع عرض الصدر، تشوق النفس إلى تعرف الحنجرة البلبلية التي تقوم فيه.. أما عيناها فهما على دقتهما سوداوان منبثقتان، يسطع من جوفهما شعاع الذكاء و الفطنة .



وقد جلس على يمين المطربة القانوني المصري المشهور بالعريان، يتلوه عازف الكمنج وهو - على ما سمعنا- حلبي الأصل مصري المنشأ، وعلى يسارها العواد الملحن المشهور بالقصبجي الذي يلحن للمغنية أكثر المنظمات التي تنتقيها للغناء، و بجانبه مقال أي مساعد وهو أخو أم كلثوم، يعقبه النقار أعني الضارب على الدف.



مجموع أفراد الجوقة إذن – بما فيهم الرئيسية- ستة ، وقد لبسوا "السموكين" وجلسوا صفاً واحداً موحداً بشكله إلا أن المطربة ذاتها لم تختر اللباس الأسود إلا لتزيد في انتظام جوقتها و في حسن وقع منظرها على الجمهور .



هذا فضلاً عن حسن إلتآم اللونين الأسود و الأسمر .



إذ من المتعارف المنطبق على صحة الذوق أن البشرة السوداء لا تمتزج معها الألوان الفاتحة، خلافاً للألوان القاتمة فهي تكسب الأسمر لطافة و إغراء .



وأحنت أم كلثوم رأسها شكراً لتصفيق الحاضرين عقيب انكشاف الستار .. ثم افتتح الأستاذ القصبجي الفصل الأول بتقسيم على العود من نغم "الرست" و التقسيم في الموسيقى عزفاً يشبه الخطابة الارتجالية في الكلام ، يجول العازف أثناءه في اللحن مستطرداً نغماته الفرعية .



و تجواله هذا قد يكون ذا تأثير عظيم على السمع فيما إذا كان هو، أي العازف، عالماً بالنغم وأطواره وفروعه، ماهراً بالعزف وأساليبه .. بعد عزف تمهيدي طويل مشبع أخذت المغنية بإلقاء "ليلتها" مبتدئة بعبارات قصيرة من قرارات الراست، حولتها في القلب إلى ما يسمونه "جهاركاه" لتستقر في نغمة يطلقون عليها اليوم "زنجيران" .



ثم غنت الدور المصري المعروف : "هو دا يخلص من الله " أعقبه، في الفصل الثاني، بقصيدة الشاعر المرحوم اسماعيل باشا صبري : "يا آسي الحي هل فتشت في كبدي" تلتها في الفصل الثالث، طقطوقة مسحوبة في الاسطوانة و هي "اللي حبك يا هناه" وها أنا أبدي لك، فيما يلي، ملاحظاتي، ومشاهدتي كما شعرت و رأيت:



صوتها: صوت لامع صاف. ناعم القرار، قوي العمق، نبرات قوية مستقيمة سالمة من الضعف و الخلل .. قفلات حادة مسبوكة سبكاً رصيناً مشبعاً بقوة الصوت و حلاوته وأنوثته معاً .



هذه الأوصاف أعني: قوة الصوت وحلاوته و أنوثته تجدها مجتمعة في حنجرة أم كلثوم بدرجة واحدة .



أداؤها: أداء واضح، تدعمه لغة عظيمة، خالية من شوائب التكثير و الرطانة و اللحن.. لفظ عربي فصيح، مخارجه كاملة، تؤديك المعنى دون عناء ولا ارتباك.



وقفتها: لا تختلف حركات جسمها أثناء الغناء واقفة عنها جالسة: هزة في الرأس ترافقها ابتسامة ملؤها العطف خصوصاً على القفلات ، فتزيدها قسوة وتأثيراً على النظر و السمع معاً.. اختلاج في الأعضاء – عند أداء النغمات الحادة – ينم عن اختلاج العواطف شعوراً.. فهي شعر و موسيقى في وقت واحد .



أسلوبها: مصري ، لهجته مستمدة في الغالب من أسلوب أبي العلاء وعبد الحي حلمي.. لا أثر فيه لعنصر غريب.. بالرغم من أن بعض المقاطع في إنشادها تحتوي نتفاً تركية – تقليداً- و هذا ما لا تصادفه عندها إلا قليلاً بخلاف ألحان الأستاذ عبد الوهاب ففيها شيء من الأسلوب التركي أكثر .



غناؤها: إن المغنية التي يكون صوتها و إلقاؤها وأوصافها كما ذكرنا لا بد من أن يكون غناؤها أيضاً بديعاً ساحراً .. وهذا هو الواقع .. وأنك لتعجب إذ تجدني أتعرض لنقد غناء أم كلثوم .. وربما قلت في نفسك: وهل غناء أم كلثوم ينتقد؟.



إن صوت أم كلثوم جميل بذاته، ولكن هل كان جماله ليظهر لو لم تتعلم صنعة الغناء .

أتدري لماذا استطردت هذه الكلمة عن الذوق والعلم .. لأن في الشرق عموماً ، وفي مصر و سوريا خصوصاً نظرية وهمية تتعلق بتعليم الموسيقى والعزف، يدعي أصحابها بأن تعلم الموسيقى بالطرق الفنية العلمية يحرم المتعلم من حلاوة الصوت في الغناء ، ومن حلاوة الصوت الأصابع في العزف على الآلة أياً كان نوعها وأن معظم الغنائين الشرقيين، من عازفين و مطربين، عملوا بهذه النظرية وما زالوا يعملون بها حتى يومنا هذا .



فالعازف يتعلم بطريقة السمع .. و المغني كذلك يسمع اللحن ثم يغنيه بعد أن يتعلمه.



و أم كلثوم – هكذا سمعت- قد تعلمت هذا النمط، بالرغم من عذوبة صوتها و جماله الساحر.. وفي اعتقادي أنها لو كانت قد أخذت قسطاً وافراً من فن الموسيقى الحديث لكانت غير ما رأينا و سمعنا .

فالألحان التي سمعناها في اسطواناتها ومن فمها لا تتعدى دائرة ضيقة من فن الموسيقى الواسع إنها تتناول القطعة الواحدة من دور وطقطوقة وقصيدة، فتعيد مقطعاتها بسياق ووزن واحد و ترددها ما شاءت و شاء لها التجلي و الطرب الذي تستمده في الغالب من المستمعين .



أقول تستمد الطرب و التكرار من المستمعين ، لأنهم هم الذين يطربون بادئ بدء فيستعيدوا ويتلذذون فيشبعوها حمداً و تضرعاً واسترحاماً .. فتطرب هي لطربهم .. و تشعر بلذة الإطراب و سطوته على القلوب فتجود مبتهجة منتصرة لأنها تجد نفسها قد ملكت على الناس أفئدتهم و تسلطت على مشاعرهم تلعب بها لعب الطفل بالطابة ولذا فهي دوماً سمعة، مجيبة، مرددة ما داموا هم طالبين، مستعدين .



غير أنها إذا أعادت فإنما تعيد النغمة ذاتها مع شيء من التنميق بسيط في القفلات .. إذ ليس بإمكانها – ولا بإمكان أحد سواها – أن يبتكر أنغاماً و أساليب أثناء الغناء.. فالابتكار نتيجة إلهام و بحث وتمرين.



وهناك بعض النواقص، كانت تظهر في مغنى أم كلثوم ، دون أن تحدث انتباهاً في نفوس السامعين.. من ذلك أن المغنى المتضمن حزناً و حرقة، والذي يتطلب نغمات وأوضاعاً تمتزج معه، لتعبر عنه تعبيراً صادقاً ، كنا نسمعه بأسلوب لا يلابسه مطلقا خذ لك مثلا "أواه" في قصيدة "يا آسي الحي" للشاعر الرقيق المرحوم إسماعيل باشا صبري الذي يقول فيها: "أواه من حرق أودت بها كبدي" فالنغمة التي سمعناها، و الأوضاع التي كانت توافقها لم تكن تعبر عن حرقة كموت قلب الشاعر المعذب ، فانفجر يتألم كأنه يستعذب العذاب..



وإنما أرادت المغنية أن تقلب النغمة في لفظة "أواه" وترددها إجابة للمستعيدين ،تارة بغنج ودلال، وأخرى بمداعبة و مغازلة بقصد التنويع، مما أخل بالمعنى وكاد يخرجه من أصله.. وهذا الخلل أنما هو نتيجة لازمة للترديد ، ما دامت الألحان غير مدونة، يتصرف بها المغنون وفقاً لأهوائهم و أذواقهم و ما دام الفن فوضى ، لا ضابط له و لا نظام.



وليس من المعقول أن يتخذ رضاء السامعين و تلذذهم من النغمة المرددة حجة على المعنى و الذوق السليم، فالأسباب التي تحكم لهم على الرضاء، خصوصاً إذا كان المغني آنسة ، ترجع إلى عوامل نفسية دعنا منها.



ولا بد لي، قبل أن أختم رسالتي، أن أقول أن الجمهور الحلبي الذي اشتهر بقوة بحثه في الغناء العربي، و تقديره للمغنين لم ينل هذه الشهرة عبثاً.. ولا عجب إذا كانت المطربات و المطربون يحسبون له حساباً، قبل قدومهم إلى حلب.. فهم يعلمون أنه نقاد ماهر، لا بالكلام، بل بدقة الإصغاء، و تمييز غث اللحن من سمينه ..

يكفي أن تعلم أن الآهات "آه"، التي كانت تصدر عن السامعين ، أثناء غناء أم كلثوم، كانت تتناسب قوة و انطلاقاً مع جودة القفلة، عقيب انتهائها تماماً، وكلما كانت القفلة تامة الأجزاء، حلوة الأداء كلما ازدادت قوة الآهات و التصفيق.. هذا فضلاً عن أن الجمع المستمع – قد بلغ عدده ألفي نسمة –كان يصغي بسكون سائد شامل؛ لكي لا تفوته أدق النبرات و أرقها.



وأخيراً الشكر للفرص التي سنحت لمطربة الشرق بحق وجدارة ، الآنسة أم كلثوم ، بزيارة حلب، آملين أن يكون لهذا البلد من حسن التفاتها و تقديرها لأرباب الفن فيه أوفى نصيب.





أحمد الأوبري



للتعريف عن أحمد الاوبري ننقل لكم ماكتبه عنه القاضي سعد زغلول الكواكبي في مخطوط كتابه ذكريات من ماضي حلب ( قيد الطبع ) :



المرحوم «الأستاذ أحمد الأوبري» ، موسيقار حلب ، من مواليد أواخر القرن التاسع عشر ، لحن في مناسبة تنصيب الامير فيصل ملكا على سوريا أغنيتا ( يا مليكا عز نصره ) و( دمت لنا مليكنا ) اللتين غنتهما مطربة حلب فيروز ماميش في عام 1920 ، كما لحن ( انشودة في ذمة الاوطان و المجد يا فيصل ) عند وفاة الملك فيصل .





الموسيقار الحلبي أحمد الأوبري



كان يشغل منصب رئيس ديوان مديرية الاشغال العامة بحلب التي كانت تسمى النافعة .و هو أول من لحن شعراً عربياً بإيقاع «التانغو» البرازيلي .



يروى عنه أنه تواعد مرة مع الشيخ عمر البطش والشيخ علي الدرويش الساعة الثامنة مساء تماماً عند المرحوم محمد أفندي المرعشي للاستماع إلى دور موسيقي على يد وصوت الشيخ البطش ،



وكان الوقت شتاء كانون الثاني ، وكانت ليلة الضبع كما يقولون ، فالبرد شديد والثلج ينهمر ويتجلد.



وحضر المتواعدون ما عدا أحمد أفندي الأوبري ، فانتظروه حتى الثامنة فلم يحضر فعذروه بقساوة الطقس وباشروا الدور وسمعوه كاملاً ، وإذا بالباب يقرع فور انتهائهم من الدور ، ففتحه صاحب البيت فإذا بأحمد أفندي الأوبري يكاد يتجمد وقد تعمم رأسه بعمامة الثلج الأبيض الذي وصل إلى رقبته وقميص سترته وجلل معطفه.



فأدخله صاحب البيت إلى جانب الموقد.



فسألوه عن سبب تأخره فقال : أعذروني فلقد وصلت إلى الباب لحظة مباشرتكم بالدور فلم أشأ أن أطرق الباب وأقطع عليكم الدور حتى انتهيتم فطرقت الباب.




فأدركوا سبب تراكم الثلج على رأسه ومعطفه لبقاءه طيلة نصف ساعة في العاصفة الثلجية.



هكذا كانت آداب السماع.



أما آداب السماع هذا اليوم فتقضي أن تصاحب السماع بالأكل والتهام المكسرات، حتى صارت الموسيقى اليوم تناسب أصوات المضغ وطقطقة البذور !



توفي أحمد الاوبري في الستينات من القرن العشرين .



المحامي علاء السيد – عكس السير





التعليقات (1)

غريب1     
شكراااااااااااا ابوعلياااااااا والله يغفر لام كلثوم كوكب الشرق