المغترب السوري عبد الرحمن زيتون تحول الى بطل قومي في أمريكا لإنقاذه عشرات الأشخاص أثناء إعصار كاترين
زيتون : لم أقدم سوى الواجب وما يمليه علي ضمير و والأخلاق التي تربيت عليها
أطلقت وسائل الإعلام الأمريكية على المغترب السوري عبد الرحمن زيتون بطل قومي للولايات المتحدة الأمريكية وبكل جدارة لما قام به من عمل بطولي أنقذ فيه عشرات الأمريكيين من الموت أثناء إعصار كاترينا.
ضرب الإعصار مدينة نيوأورلينز الواقعة على خليج المكسيك في ولاية لويزيانا، ولدور زيتون الاستثنائي في انقاذ حياة الناس، ومفارقة إقدام الشرطة على توقيفه للاشتباه به، كتبت عنه العديد من الصحف العالمية والأمريكية المحلية والتقت به محطات التلفزيونية الأمريكية والعربية وحصل على عدة شهادات تقدير من منظمات وجهات مختلفة، وألف عنه كاتب أمريكي كتاباً خاصاً وسماه "زيتون" ويتم الآن التحضير لإنتاج فيلم خاص عنه.
لمحة عن ابن جبله
وفي البداية لابد من إعطاء لمحة بسيطة عن عبد الرحمن زيتون ،الذي ولد في مدينة جبلة عام ، 1957 وهو أخ السباح العالمي محمد زيتون، عمل في جبلة وفي وقت مبكر من عمره بالبناء ثم سافر وعمل بحاراً على سفن يونانية منذ عام 1974، وفي عام 1988 حط رحاله في مدينة نيوأورلينز في مقاطعة لويزيانا في الولايات المتحدة الأمريكية وهناك عمل في المقاولات ، تزوج من أمريكية اسمها كاتي وأنجبت له طفلاً وثلاث بنات.
زيتون يصارع كاترينا
أثناء قدومه إلى مدينة جبلة منذ عدة أيام في زيارة إلى أهله وأقربائه إلتقت سيريانيوز زيتون وروى قصته مع إعصار كاترينا قائلا: "في البداية حذرت السلطات الأمريكية وأنذرت بقدوم إعصار قوي وخطير جداً مختلف عن الأعاصير السابقة التي كانت تضرب المنطقة ما أدى إلى مغادرة أغلبية سكان المنطقة إلى مناطق أخرى مجاورة، وكعادتي كما في الأعاصير السابقة قمت بترحيل زوجتي وأطفالي إلى منطقة أخرى حيث يعيش بعض الأقارب، وبقيت في المنزل وكنت قد تعودت على مواجهة الأعاصير خاصة وأن المنطقة التي أعيش فيها هي منطقة أعاصير، كذلك تعودت على المياه منذ طفولتي كوني ابن البحر حيث ولدت في المدينة الساحلية جبلة، كما اعتدت على ركوب الأمواج ومواجهة الرياح والأعاصير في عرض البحر كوني عملت سنوات طويلة بحاراً على متن بعض السفن التجارية".
ويتابع:" في اليوم الأول ومع بداية الإعصار ارتفع منسوب المياه نتيجة الأمطار الغزيرة في المدينة إلى ما يقارب 70سم ،لكن الإعصار هذه المرة كان أقوى بكثير من سابقيه حيث بلغت سرعة الرياح ما يقارب 250 كم بالساعة ،ما أدى إلى انهيار أحد السدود القريبة، والذي سبب بغمر المدينة بالمياه بارتفاع يتراوح بين المترين والثلاثة أمتار، واضطررت لنقل أهم محتويات المنزل إلى الطابق الثاني لحمايتها من التلف.
إنقاذ العشرات
وفي اليوم الثاني وبعد مرور الإعصار واستقرار المياه رحت أتجول في شوارع المدينة لكن بقارب صغير اشتريته سابقاً، وكانت المياه غمرت أغلب المنازل في الطابق الأول.
وأشار بأنه خلال جولاته أنقذ العشرات من الأمريكيين الذين اضطروا للبقاء ولم يستطيعوا المغادرة لأسباب مختلفة وخاصة كبار السن والذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه‘ كما قام بإيصال العديد منهم إلى المشافي والملاجئ ونقاط الإنقاذ الطبية التي لم تغمرها المياه ،وكذلك عمل على إحضار المساعدات الطبية والطعام ومياه الشرب لبعض السكان المحجوزين في الطوابق العليا وكانت قد نفذت لديهم المؤن والمياه وقطعت الكهرباء عنهم،لا سيما وأن رجال الشرطة والإنقاذ لم يحضروا إلى المنطقة إلا باليوم الثالث بعد الإعصار.
ويذكر عبد الرحمن" أنه في اليوم الرابع كان أحد قوارب الشرطة يتجول في المنطقة وبرفقته كاميرا لأحد الفضائيات تنقل الأحداث بشكل مباشر وعندما شاهدني أهالي المنطقة بدأت تنهال الاتصالات علي للاطمئنان على ممتلكاتهم ومنازلهم وطلب البعض منهم إنقاذ حيواناتهم التي علقت في المنازل، فقمت بمساعدتها وقدمت لها الطعام بشكل يومي" .
واستمر زيتون وعلى مدى أسبوع كامل في التجوال بقاربه في شوارع المدينة لمد يد العون والمساعدة لمن يحتاج وقال: "كنت أقطع يومياً أكثر من 25كم بقاربي ، وكنت خلال جولاتي أتقاسم الطعام والمياه مع السكان الذين اضطروا للبقاء في منازلهم.
المفاجأة
ويروي عبد الرحمن" أن المفاجأة كانت في اليوم السابع بينما كنت في المنزل مع أحد المواطنين من أصل سوري من طرطوس، جئت به للعيش معي ريثما تنحسر المياه التي غمرت كامل منزله، اقترب قارب للجيش الأمريكي وعلى متنه سبعة مسلحين بالسلاح الكامل من منزلي وسألوني ماذا أفعل هنا، فأجبتهم بأنه منزلي لم يصدقوني وطلبوا أوراقي الثبوتية، وعندما رأوا اسمي العربي بدت عليهم ملامح وكأنهم اكتشفوا خليه إرهابية ،حاولت إحضار ورقة سجلت عليها بعض الأرقام الهاتفية، لقموا السلاح وهددوني بإطلاق النار مع أقل حركة، قيدونا وأخذونا بفان مغلق إلى محطة باصات وقطار للنقل الخارجي للركاب سيطر عليها الجيش وحولها إلى مركز عمليات وأعدت على عجل كي تكون مركز اعتقال مؤقتة (حيث بات هناك حالة من الفوضى و كثرت في ذلك الحين عمليات السرقة والنهب والقتل )، ووضعنا في أقفاص حديدية شبيهة بسجن غوانتناموا مع العشرات من المعتقلين ، وهذه المحطة كانت مليئة بالأوساخ وتفوح منها روائح المازوت والزيت وتنبعث منها روائح مقرفة".
كانت التحقيقات مستمرة وتضمنت اتهامات خطيرة والانتماء إلى خلايا إرهابية تتعامل مع القاعدة، وأحس خلالها عبد الرحمن بأن الأمور تذهب إلى منزلقات خطيرة .
ورغم التحقيقات التي أجراها رجال امن الدولة وأكدوا سلامة موقف عبد الرحمن ورفيقه إلا أن الجيش لم يطلق سراحهم، وتم تحويلهم إلى السجن الرسمي للمعتقلين ذوي الأحكام الثقيلة والمجرمين الخطرين.
إطلاق سراحه
ويقول عبد الرحمن :"ثم قامت عناصر من الـ( إف بي آي) ومن الـ( سي آي إيه) بالتحقيق معنا وأكدت أنه لا يوجد علينا أي شيء ، وطلبت من أحدهم الاتصال بزوجتي لأنها منذ أن تم اعتقالي لا تعلم عني شيء ووعد أنه سيفعل لكنه لم يتصل إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع، وعندما علمت زوجتي بمكاني مباشرة قامت بتوكيل محامي للبحث عني والقيام بالإجراءات لإخراجي من السجن، وواجه المحامي الكثير من الصعوبات للعثور علينا حيث لم يكن هناك أي سجلات تثبت وجودنا في ذلك المعتقل .
وأشار عبد الرحمن:" بأن إدارة المعتقل قامت بمحاكمة ميدانية ضمن السجن وطلبوا كفالة 75 ألف دولار، ولم أستطع تأمينها لأن المدينة تحولت إلى ما يشبه الخراب ولا يوجد فيها أي بنوك تعمل ولذلك فضلت البقاء بالسجن لأنه بالقانون لا يحق لهم الاعتقال أكثر من شهرين، وبعد شهر تم إطلاق سراحي بضمانة محلي التجاري وتم تحويلي إلى المحكمة، وبعدها قامت المحكمة بإسقاط كل التهم التي كانت وجهت إلي ، حيث أدلى بعض الذين أنقذتهم بشهادات أكدت بأني كنت أقوم بإنقاذ الناس".
ويضيف عبد الرحمن: "رفعنا دعوى على الحكومة الأمريكية بسبب سوء المعاملة أثناء فترة الاعتقال ومازالت مستمرة حتى الآن".
زيتون والإعلام
وبعد خروجه من السجن كتبت إحدى الصحف المحلية " تايمز سبيك نيوز " في نيوأولينز ونشرت القصة على الانترنيت ، ثم قام بعض الكتاب المحليين بكتابة كتب عن تجربة إعصار كاترينا بشكل عام مثل كتاب" صوت العاصفة"و" الكارثة العالمية" وكتب أخرى عديدة احتوت قصص وحكايات لأشخاص في فترة الإعصار ومن بينها قصة عبد الرحمن زيتون.
ويقول عبد الرحمن:" بعد سماعه بقصتي اتصل الكاتب الأمريكي المشهور ديف ايغرز وقال بأن قصتي مؤثرة ويريد إيصالها إلى عموم الشعب الأمريكي ولذلك قرر تأليف كتابة عن حياتي، و من أجل ذلك أتى إلى جبلة سنة 2006 والتقى بأهلي للحصول على معلومات وتفاصيل عن حياتي وحياة أفراد أسرتي منذ ولادتي والواقع الذي كنت أعيش به قبل السفر إلى أمريكا وذهب أيضاً إلى أخي القبطان أحمد زيتون في إسبانيا ليستكمل بعض المعلومات، واستغرق إنجاز الكتاب ثلاث سنوات وسماه "زيتون".
شهادات تقدير
وقال عبد الرحمن:" أخذ الكتاب "زيتون" أبعاداً هائلة ونجاحاً كبيراً لم أكن أتوقعه أبداً ، وحصل الكاتب على العديد من الجوائز والعديد من شهادات التقدير، وطلبت بعض الجامعات بقراءة الكتاب واعتبرته من أفضل عشرة كتب صدرت مؤخراً في أمريكا. وقدمت الإعلامية الأمريكية المشهورة في برنامجها المسمى باسمها"اوبرا" عن الكتاب مشيرة بأنه من أفضل 6 كتب خلال السنوات العشر الأخيرة في أمريكا ".
وقامت العديد من المنظمات في الولايات المتحدة الأمريكية بتكريمه ، وكان آخرها المعهد العربي – الأمريكي( ويرأسه جيمس الزغبي) في واشنطن حيث أقام في 22 نيسان الماضي حفلاً كبيراً بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس المعهد كرم فيه عدد من الشخصيات الأمريكية الذين جسدوا بعملهم وقيمهم معاني "روح الإنسانية" ومن بينهم عبد الرحمن زيتون، وحضرت سوزان رايس ممثلة أمريكا بالأمم المتحدة وألقت بالنيابة كلمة للرئيس باراك أوباما، شكرت فيها زيتون على العمل البطولي الذي قام به،وحضر الحفل العديد من سفراء دول العالم ومن بينهم سفير سورية عماد مصطفى. كما أقام السفير السوري حفل تكريم في السفارة السورية على شرف عبد الرحمن زيتون.
فيلم خاص عن زيتون
وكانت العديد من الصحف يونانية وأخرى برازيلية وصحيفة نيويورك تايمز و الغارديان ومجلة بيبول ماغزين (التي تكتب عن الشخصيات المشهورة في العالم) وغيرها قد كتبت عن قصته وأجرت معه مقابلات ، كذلك التقت به قناة الحرة الفضائية وقناة الجزيرة في برنامج للقصة بقية سيبث قريباً ، كما خصصت الـCNN حلقة للحديث عن قصته وعن كتاب"زيتون"، وهناك العديد من وسائل الإعلام التي كتبت عنه لكن لا مجال لذكرها.
ترجم الكتاب " زيتون " إلى اللغات : الإيطالية والبرتغالية والألمانية وحالياً يترجم في الأردن إلى العربية، كما تم الاتفاق مع الكاتب لترجمته إلى 23 لغة أخرى .
وحتى الآن يستغرب عبد الرحمن زيتون الشهرة التي وصل إليها فهو يرى أنه لم يقدم سوى الواجب وما يمليه عليه ضميره والأخلاق التي تربى عليها في مساعدة الآخرين عند الحاجة.
لسه الدنيا بخير والحمد لله ومشكور على الموضوع الرائع
سلم يا غالي ربنا يخلي لك كل غالي