غريب1

0

1,184

اجمل ماقرات45


رحلة قطار




وصل القطار حوالى الساعة السادسة صباحاً في أحد أيام نوفمبر الرطبة والباردة، وهكذا لم أتنبه بسبب الضباب. رفعت ياقة البالطو الفرو العالية، وكبست القبعة في رأسي حتى الأذنين، ومع ذلك اخترقت برودة الضباب جسمى حتى العظم. شقة ليونيداس كانت توجد هناك. عثرت عليها في حي بعيد عن وسط البلد، في الدور السادس وفى عمارة متواضعة، كل شىء فيها : السلم، والممرات، الشقق كان الضباب يغلفها ويخترقها، وأثناء صُعودى المتواصل اعتقدت أننى سأبلغ الأبدية من كثافة الضباب ووطأة الصمت. ليونيداس، يا أخى، أمام باب شقتك أحسست بأننى ميت من التعب! كنت قد جئت لزيارتك، في السنة الماضية، في إجازة عيد الميلاد. على العشاء أكلنا من لحم الديك الرومي المحشو بالزيتون، وأبو فرو (الكستناء)، وكريمة إيطالية مضروبة في الخلاط، وفواكه مجففة ومسكرة. قال لي ووجهه يشع بالفرحة : «موسى، جاسبار إننا في العيد!» كانت الأيام كلها عيد. تكلمنا عن أبوينا، وعن الفطائر المحشوة بالتفاح، عن سهر الليالي بجوار نار المدفأة، عن البايب الخاص بالعجوز ، ونظرته وهو مطأطىء الرأس وفكره الشارد الذى لا يمكن أن ننساه. وعن شغل السويترات التى كانت ماما تشغل نفسها به في فصول الشتاء من أجلنا، وعن تلك الخالة التى أخفت أموالها، وماتت من الجوع، عن مدرس الحساب بياقات قميصه المنشاة المتأنقة وكراڤتاته من شريط معقود (پابيون)، وعن البنات العاملات في دكان البقالة، اللاتى يدعوهن للذهاب إلى السينما بصحبته أيام الآحاد، وعن تلك الأفلام التى لا نتابع مشاهدتها. ومن تعبى نسيت أن أطلب من المرأة البوابة أن تفتح لى شقة ليونيداس. وكان لابد من إيقاظها. صعدت وهى نصف نائمة، تنتزع قدميها انتزاعاً. وهناك كان موسى وجاسبار، لكنهما ما أن وقع نظرهما علي حتى اختفيا وتبخرا. وقالت لي المرأة : إنها كانت تأتي لهما بالطعام مرتين في اليوم. ومع ذلك كانا يبدوان لى ضامرين تماماً.
الكاتبة المكسيكية أمبارو دابيلا
ترجمها عن الأسبانية محمد إبراهيم مبروك

التعليقات (0)